وتحقيق هذا المرام مستوفى في باب العدل من علم الكلام.
وإذا كانت أفعاله ـ تعالى وتقدس ـ كلها لمصلحتهم ، وما فيه تمام شرفهم ، والموت من جملة ذلك كما نطق به الوحي الإلهي في عدة آيات ، كقوله تعالى : ( وما كان لنفس ان تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً ) (١) ، ( قل لو كنتم في بيوتكم لبرز إليكم الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ) (٢) ، ( أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ) (٣) ، ( الله يتوفى الانفس حين موتها ) (٤) ، إلى غير ذلك من الآيات.
فلولا أن في ذلك غاية المصلحة ، ونهاية الفائدة للعبد الضعيف الغافل عن مصلحته ، التائه في حيرته وغفلته ، لما فعله الله تعالى به ؛ لما قد عرفت من أنه أرحم الراحمين ، وأجود الأجودين ، فإن حدثتك نفسك بخلاف ذلك فاعلم أنه الشرك الخفي ، وإن أيقنته ولم تطمئن نفسك وتسكن روعتك فهو الحمق الجلي.
وإنما نشأ ذلك من الغفلة عن حكمة ( الله تعالى ) (٥) في بريته ، وحسن قضائه في خليقته ، حتى أن العبد ليبتهل ويدعو الله تعالى أن يرحمه ، ويجيب دعائه في أمثال ذلك ، فيقول الله تعالى لملائكته : كيف أرحمه من شيء به أرحمه! فتدبر ـ رحمك الله تعالى ـ في هذه الكلمة الإلهية ، تكفيك في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
الثاني : أنه إذا نظرت إلى أحوال الرسل عليهمالسلام ، وصدقتهم فيما أخبروا به من الامور الدنيوية والاخروية ، ووعدوا به من السعادة الأبدية ، وعلمت أنهم إنما أتوا أتوا بما أتوا به عن الله جل جلاله ، ( واعتقدت أن قولهم ) (٦) معصوم عن الخطأ ، محفوظ من الغلط والهوى ، وسمعت (٧) ما وعدوا به من الثواب على أي نوع من أنواع المصاب (٨) كما ستراه وتسمعه ، سهل عليك موقعه ، وعلمت أن لك في ذلك غاية الفائدة ، وتمام السعادة الدائمة ، وأنك قد أعددت لنفسك كنزاً من الكنوز مذخوراً (٩) ، بل حرزاً ومعقلاً وجنة
__________________
١ ـ آل عمران ٣ : ١٤٥.
٢ ـ آل عمران ٣ : ١٥٤.
٣ ـ النساء ٤ : ٧٨.
٤ ـ الزمر ٣٩ : ٤٢.
٥ ـ في نسخة « د » و « ش » : أيضاً.
٦ ـ في نسخة « د » و « ش » : وقولهم.
٧ ـ في نسخة « د » و « ش » : وسمع.
٨ ـ في نسخة « د » و « ح » : المصائب.
٩ ـ ليس في نسخة « ش » و « د ».