إلى فاخرها إلى أعلى ما في الدنيا ، بالإضافة إلى سندس الجنة وإستبرقها ، وهلم جرا إلى ما فيها من النعيم المقيم؟!
بل لو تأملت بعين بصيرتك في هذا المثل ، وأجلت فيه رؤيتك ، علمت أنّ ذلك الكريم الكبير ، بل جميع العقلاء لا يرضون من ذلك الفقير بمجرد تسليم ولده ورضاه بأخذه ، بل لا بدّ في الحكمه من حمده عليه وشكره عليه وشكره ، وإضهار الثناء عليه بما هو أهله ؛ لأن ذلك هو مقتضى حق النعمة.
الرابع : إن في الجزع بذلك والسخط انحطاطاً عظيماً عن مرتبة الرضى بقضاء الله تعالى ، وفي فوات ذلك خطر وخيم ، وفوات نيل عظيم ، فقد ذم الله تعالى من سخط بقضائه ، وقال : « من لم يرض بقضائي ، ولم يصبر على بلائي ، فليعبد رباً سواي » (١).
وفي كلامه تعالى لموسى عليهالسلام حين قال له : دلني على أمر فيه رضاك ، قال : « إنّ رضاي في رضاك بقضائي » (٢).
وفي القرآن الكريم : ( رَضِىَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) (٣).
وأوحى الله تعالى إلى داود : « يا داود ، تريد وأريد ، وإنما يكون ما أريد ، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم ما أريد أتعبك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد » (٤).
وقال تعالى : ( لكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بمَا آتاكُم ) (٥).
واعلم أن الرضى بقضاء الله ـ تعالى ـ ثمرة المحبة لله ، إذ من أحب شيئاً رضي بفعله ، ورضى العبد عن الله دليل على رضى الله تعالى عن العبد ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وصاحب هذه المرتبة مع رضى الله تعالى عنه ـ الذي هو أكمل السعادات ، وأجل الكمالات ـ لا يزال مستريحاً ؛ لأنه لم يوجد منه أريد ولا أريد ، كلاهما عنده واحد ، ورضوان الله أكبر ، إن ذلك لمن عزم الاُمور.
وسيأتي لذلك بحث آخر أن شاء الله تعالى في باب الرضا (٦).
__________________
١ ـ جامع الأخبار : ١٣٣ ، دعوات الراوندي : ١٦٩ / ٤٧١ ، الجامع الصغير ٢ : ٢٣٥ / ٦٠١٠.
٢ ـ رواه الراوندي في دعواته : ١٦٤ / ٤٥٣ ، باختلاف يسير.
٣ ـ المائدة ٥ : ١١٩.
٤ ـ رواه الصدوق في التوحيد : ٣٣٧ / ٤.
٥ ـ الحديد ٥٧ : ٢٣.
٦ ـ يأتي في ص ٧٩