أفضل من سبعين ولداً يبقون بعده ، يدركون القائم عليهالسلام » (١).
واعتبر أنه لو قيل : إن رجلاً فقيراً معه ولد عليه خلقان (٢) الثياب ، قد أسكنه في خربة مقفرة ذات آفات كثيرة ، وفيها بيوت حيات وعقارب وسباع ضارية ، وهو معه على خطر عظيم ، فاطلع عليه رجل حكيم جليل ، ذو ثروة وحشمة (٣) وخدم وقصور عالية ورتب سامية ، فرق لهذا الرجل ولولده ، فأرسل إليه بعض غلمانه : إن سيدي يقول لك : إني قد رحمتك مما بك في هذه الخربة ، وهو خائف عليك وعلى ولدك ( من العاهات ) (٤) ، وقد تفضلت عليك بهذا القصر ، ينزل به ولدك ، ويوكل به جارية عظيمة من كرائم جواريه تقوم بخدمته إلى ان تقضي أنت أغراضك التي في نفسك ، ثم إذا قدمت ، وأردت الإقامة أنزلتك معه في القصر ، بل في قصر ، بل في قصر أحسن من قصره.
فقال الرجل الفقير : أنا لا أرضى بذلك ، ولا يفارقني ولدي في هذه الخربة ، لا لعدم وثوقي بالرجل الباذل ، ولا زهداً مني في داره وقصره ، ولا لأماني على ولدي في هذه الخربة ، بل طبعي اقتضى ذلك ، وما أريد أن أخالف طبعي.
أفما كنت ـ أيها السامع لوصف هذا الرجل ـ تعده من أدنياء السفهاء وأخساء الأغبياء؟! فلا تقع (٥) في خلق لا ترضاه لغيرك ، فإن نفسك أعز عليك من غيرك.
واعلم ان لسع الافاعي ، وأكل السباع ، وغيرهما من آفات الدنيا لا نسبة لها إلى أقل محنة من محن الآخرة المكتسبة في الدنيا ، بل لا نسبة لها إلى إعراض الحق (٦) سبحانه ، وتوبيخه ساعة واحدة في عرصة القيامة ، أو عرضة واحدة على النار مع الخروج منها بسرعة.
فما ظنك بتوبيخ يكون ألف عام ، أو أضعافه ، وبنفحة من عذاب جهنم يبقى ألمها ألف عام ، ولسعة من حياتها وعقاربها يبقى ألمها أربعين خريفاً! وأي نسبة لأعلى قصر في دار الدنيا ، إلى أدنى مسكن في الجنة! وأي مناسبة بين خلقان الثياب في الدنيا
____________
١ ـ ثواب الأعمال : ٢٣٣ / ٤.
٢ ـ خَلُقَ الثوب بالضم : إذا بلي « مجمع البحرين ـ خلق ـ ٥ : ١٥٨ ».
٣ ـ في هامش : « ح » : وحشم.
٤ ـ ليس في نسخة « ش » و « د ».
٥ ـ في هامش « ح » : فاياك أن تقع.
٦ ـ في « ح » : الخالق.