المفتقر (١) إلى الله (٢) الودود (٣)
______________________________________________________
ليست في حد يمكن أن تعبر عنها النفوس الناطقة البشرية القاصرة ، حمده ـ خبر إنّ ـ بناء ... على أن معنى الحمد فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما ، وإن هذا الترك فعل كذلك بل هو أبلغ وأولى من مثل الحمد لله ؛ لأن دلالة الألفاظ وضعيّة قد يتخلف مدلولاتها عنها بخلاف دلالة الأفعال فإنها عقلية وبهذا المعنى قيل : أولى الحمد ترك الحمد ، ويمكن أن يقال أيضا إنّ قوله : المفتقر إلى الله الودود ، حمد بناء على أن هذا القول يشعر بالتعظيم وكل ما يشعر بالتعظيم حمد تدبر ، والجواب من الأخيرين أن المصنف رحمهالله هضم نفسه بتخييل أن كتابه هذا من حيث إنه كتابه ليس ككتب السلف حتى يؤتى بالحمد كتابة على سننهم.
ولا يقال : على هذا ينبغي أن يترك التسمية أيضا كما لا يخفى ؛ لأن التسمية مأمور بها بالحديث الصالح للاحتجاج ، حيث لا كلام لأحد في صحته ؛ ولأن النكتة تطلب للفارّ لا للقارّ. اه من الحنفية والفلاح بزيادة.
(١) قوله : (المفتقر) أي : قال العبد المفتقر بحذف الموصوف ؛ لأن المفتقر اسم فاعل من الافتقار وهو صفة ، فلا بد له من موصوف ملفوظ أو مقدر ؛ لأن الوصف لا يقوم بذاته بل يقوم بغيره وهو الموصوف.
فإن قيل : لم حذف الفاعل وهو الموصوف مع أن الحذف خلاف القياس؟.
أجيب : حذف الفاعل الذي هو الموصوف هنا للإيجاز وهو إنما يكون على خلاف القياس إذا لم يقم مقامه شيء ، وهنا أقيمت الصفة مقامه فلا يكون خلاف القياس ، وإنما اختار المفتقر على المحتاج والمسكين موافقة لقوله تعالى : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) [محمد : ٣٨].
فإن قلت : لو قال : الفقير ، مكان : المفتقر ، لكان أحرى ؛ لأنه أصل بأنه مجرد ، والمفتقر فرع بكونه من المزيد.
قلت : إن في المفتقر زيادة حروف وهي تدل على زيادة المعنى فكان فيه مبالغة في الاحتياج ليست في الفقير فناسب إيراده بحال الإنسان الذي هو مجمع الحاجات وإنما أظهر افتقاره إلى الله لأنه هو الأقدر على قضاء الحاجات بأسرها بخلاف العباد. اه ملخص الشروح.
(٢) قوله : (إلى الله) ولمّا كان لفظة الله اسما للذات المستجمع بجميع الصفات فكان ذكره بها ذكره بجميع صفاته ، قال : إلى الله الودود دون إلى الغني وغيره من الصفات ، مع أن في الأول رعاية التضاد مع المفتقر ، وموافقة كلامه لكلام الله تعالى في ذكر الغناء أيضا. اه فلاح.
(٣) قوله : (الودود) ولما التزم الودود لرعاية السجع مع مسعود ، وكان طول الكلام الأول قبيحا في السجع لم يقل إلى الله الغني الودود.
فإن قيل : لو قال : إلى الله المحمود لكان السجع موجودا أيضا؟.
قلنا : الودود على وزن الفعول ، وهو قد يجيء بمعنى المفعول كالحلوب بمعنى المحلوب ـ