أن الصّرف (١) أمّ العلوم (٢) ،
______________________________________________________
وذكر لفظ أنّ بعده مستحسن ؛ لأن المخاطب بما فيه صار مترددا فإتيان أنّ بعده للتحقق ودفع التردد أنسب ، ثم قوله : اعلم ، مقول قال وهي صيغة أمر والأمر يقتضي أمورا ثلاثة لعدم إتمامه بدونها ، الأمر والمأمور والمأمور به فالأول المصنف رحمهالله ، والثّاني الطالب لتحصيل العلوم ، والثّالث قوله : «أنّ الصّرف أمّ ...» إلخ ما في الكتاب ، إلا أن تكرار اعلم فيما سيأتي من قوله : اعلم أسعدك ... إلخ ، لزيادة التوجّة تدبر. اه من الحواشي.
(١) قوله : (الصّرف) وإنما قال : الصّرف ، ولم يقل : التصريف مع أن في التصريف مبالغة ؛ لأن الصّرف أصل والتصريف فرع ؛ لأنه مزيد فيه ، أو لأنه لما ذكر النحو عقيبه ، وهو ثلاثة أحرف فذكر الصّرف أيضا بثلاثة أحرف طلبا للموافقة بينهما ، ووقع في بعض النسخ لفظ التصريف فحينئذ النكتة في اختيار المزيد فيه هي المبالغة. اه حنفية.
قوله : (الصّرف) وهو في الأصل مصدر صرف من باب ضرب ، ومعناه التبديل والتغيير يقال : صرفت الدراهم بالدينار ، وبين الدرهمين صرف أي : فضل لجودة في أحدهما ومنه الصيرفي ، وفي هذا العلم أيضا من تغيير الألفاظ من حال إلى حال ، وفضل من الحروف عند التغيير من الحال إلى حال أخرى. اه فلاح.
(٢) قوله : (أمّ العلوم ... إلخ) أي : أصلها ومبدؤها ؛ لأنها يبدأ منها العلوم ، يقال للفاتحة أم القرآن وأم الكتاب ؛ لأنها أصل منها يبدأ القرآن.
وإنما شبه الصّرف بالأمّ والنحو بالأب فإنه كما أن الولد يرتبط بالأم أولا وبالأب ثانيا كذلك المبتدئ إذا أراد تحصيل العلوم يشتغل أولا بالصّرف ، ثم بالنحو ، وكما أن الولد لا ينمو ولا يكمل بدون الرضاع وبدون تربية الأب من المعاش كذلك المبتدئ لا يحصل له كمال في العلوم بدون تحصيل علم الصّرف ومعرفة الصيغ والتغيرات أولا ، وبدون تحصيل علم النحو ومعرفة التركيبات ثانيا.
فكان علم الصّرف بمنزلة الأم والنحو بمنزلة الأب للمبتدئ الذي أراد تحصيل العلوم ، وإضافة الأم والأب إلى العلوم مسامحة ومجاز. ولا شك أن المبتدئ باعتبار تعلم العلوم وفهمها يحتاج أولا إلى الصّرف وثانيا إلى النحو ، وإن العلوم باعتبار المفهومية تحتاج أولا إلى الأول وثانيا الثّاني ، وأشار بإيراد كلمة التنبيه إلى أنه لا بد من معرفة هذا المعنى لكل واحد. اه إيضاح.
قوله : (أمّ العلوم) فإن قيل : العلوم جمع يتناول جميع العلوم بأسرها ، فيلزم منه أن يكون علم الصّرف أما لنفسه والنحو الذي هو أبو الصّرف وهو محال ، وكذا كون علم النحو أبا لنفسه والصّرف الذي هو أم النحو؟.
قلت : المراد من العلوم في الموضعين غير الصّرف والنحو ، كما أن المنطق آلة لما عداه ، ثم مدح النحو وإن كان غير مقصود إلا أنه لإتمام المقولة ولمناسبة الأم تدبر. اه فلاح بتصرف.