الحلة وكربلاء وذلك بواسطة زوارق شراعية صغيرة. وعندما بلغنا اليابسة طفقنا نمر خلال أرض صفراء منبسطة ليس فيها زرع ولا نبت لأن المحصول الربيعي كان قد حصد ونقل إلى المدن للبيع .. كما أنا لم نر في طريقنا قرية ولا قصبة.
بعد ساعتين من المسير لاحت لنا عن كثب خيم جماعة من الأعراب الكبيرة مرتفعة بين الأشجار والنباتات وأمامها برك ومستنقعات. وكانت بين هذه الخيم خيمة أكبر وأوسع من سائرها وأمامها فسحة من الأرض خالية وكان يعلوها علم يخفق في الأعالي.
والواقع أن خيمة رئيس القبيلة وحدها تكون لها مثل هذه الميزات فقط. كما يكون له هو ميزات بين أفراد القبيلة خاصة به. ومن المعلوم أن ناصر الدين شاه الإيراني أخذ بهذه الرسوم والصلاحيات أيضا. إذ كانت تضرب له خيمة في مكان مستقل بعيد نوعا ما عن مضارب الآخرين ويرفع عليها علم عندما كان يخرج للصيد مع حاشيته أو للقيام بنزهة في البادية.
والخلاصة أن القافلة أخذت تحت السير إلّا أن الشمس كانت تجنح إلى المغيب ، وكان ينبغي لنا أن نقطع مسافة كبيرة لكي نصل إلى غابات النخيل التي تبدو أمامنا من بعيد وهي موضع الاتصال بين طريق الحلة وكربلاء على حسب أقوال الأدلة لنا.
أخذت السماء رويدا رويدا يملؤها الظلام والسحب تتراكم فوق رؤوسنا وأخيرا شرع المطر في الهطول وتعذرت علينا متابعة السير في ذلك الطريق الموحش الذي تختفي تحت نباتاته ومزروعاته مجاري المياه والآبار. ولا سيما أن أدلتنا لم تكن لهم المهارة والشجاعة الكافية إذ رأيناهم يقولون لنا إنه ينبغي لنا أن نتقدم القافلة لأننا نحمل السلاح دونهم لا لشيء آخر.
ولو لا أن اتفق أن رأينا في طريقنا أربعة أشباح ضخمة لم يكن في مكنتنا متابعة السير للوصول إلى غابة النخل. والواقع أن هذا المشهد أثار في نفوسنا الخوف والوحشة ودفع أدلتنا ومن كان معنا في هذه القافلة المنحوسة إلى أن يختفوا خلف الأشجار ، واضطررنا نحن في هذه الحالة إلى تجريد سلاحنا