بغداد أجمل من اسلامبول
ودجلة أروع من البسفور
١٤ ـ ديسمبر ١٨٨١ :
عمّال السفينة يروحون ويغدون بعجلة واضطراب في الصالون ، هذا يمسك بأذيال ذلك وهذا يصرخ بأعلى صوته ينادي آخر ..
وهنا يجب عليّ أن أقول إن سفينة «الموصل» لها ميزة أخرى غير التي ذكرتها من قبل وهي أن صالونها لم يكن في الواقع إلّا الممرات الجانبية الضيقة وإن هذا الصالون هو محل راحة المسافرين الوحيد فعليك تقدير ما كنا نحن المساكين فيه ..
ومما يكن من أمر فإننا بلغنا بغداد والسفينة ألقت مرساتها في المحل المعيّن وكان ذلك مع بزوغ الشمس وارتداد جحافل الليل البهيم ، ولقد قمت من النوم استعدادا للهبوط وما كدت أتجاوز الصالون إلى الخارج حتى وجدت على مقدمة السفينة وعلى أقفاص الدجاج ندى متكاثفا يخيّل إلى الرائي أنه بقايا برد متساقط .. ولقد قيل لنا إن هذه هي المرّة الأولى التي يتجمد فيها الماء ويكون ذلك بمثابة إعلان لقدوم فصل الشتاء. بيد أنني كنت فرحة جذلة لا لشيء إلّا أنني نجوت من قضاء مثل هذه الليلة في طيسفون.
الواقع أن مناخ البلدان الشرقية يبعث على العجب والدهش ، حتى الشتاء لا يستطيع أن يلبس الأرض لباس الأسى ، وكل ما يحدث هو أن يتغير منظرها بعض الشيء فقط. ومع أن الهواء بارد فما زالت الأشجار مخضرة ـ كما تبدو وكأن الفصل فصل ربيع لا شتاء!! ها هي أشعة الشمس تملأ السماء رويدا رويدا وتبدو على الساحل الأبنية والقبب المصنوعة من الكاشي بصورة