السنة الثانية من الرحلة
١ جنويه ١٨٨٢ ـ العمارة ـ
لا أدري ماذا أتمنى اليوم بعد أن أبت الظروف أن يتحقق أي حلم من أحلامي السابقة؟ يا ليتني كنت أستطيع أن ألقي نظرة على وطني الحبيب فرنسا. ولكن أين أنا الآن من أرض أجدادي وملعب صباي .. إنني لم أود أن أتابع القيام بهذه الرحلة المتعبة المملة ولكن ماذا بيدي وإنني أحترم رأي مارسل الذي يرى أن نذهب إلى خوزستان.
هكذا ينبغي لي أن اتجه إلى تلك البلاد وأتحمّل كل ما ينتظرني من منغصات ومتاعب وآلام .. بل من يدري لعلي أسعد فيها على خلاف ما أنتظر وعلى خلاف أيام سفرتي السابقة ولكن لا .. لا .. إن ظواهر الأمور تدل عكس ذلك.
هذه أول سفرة أقوم بها وأنا راغبة عنها ضجرة يائسة مما أجد فيها من متعة وسلوة. وأقول مرة أخرى ماذا بيدي ومارسل يريد ذلك وليكن ما يكون ..
وإذ كنا نريد أن نقضي عدّة أيام في طيسفون فلم نقم بتوديع بلاد ما بين النهرين الوداع الأخير ولقد تركنا بغداد ظهيرة يوم ٣٠ ديسمبر وكنا ونحن في طريقنا نرى المزارعين وهم منهمكون في زراعة أراضيهم ، وبعد مدة قصيرة رأينا أنفسنا فجأة في صحراء قاحلة ليس فيها سوى أشواك طويلة احتمت بظلالها عدّة قطعان من الخراف وكان لرعاتها بخلاف المزارعين الوادعين عيون ضارية وحشية مضطربة. ولم تمض إلّا فترة وجيزة حتى تراءت لنا