خرائب قصر طيسفون التي تشبه شبحا أسود ضخما ، ولكن الظلمة ما فتئت أن ملأت المكان وتعالت أصوات الثعالب (١) من بعيد.
ولقد أمضينا يومين كاملين في مشاهدة خرائب طيسفون عاصمة أكاسرة إيران بتدقيق وإنعام ، كما زرنا مرة أخرى خرائب مدينة سلوقية التي تنافس طيسفون ، وزرنا مقبرة سلمان باك ثم ركبنا بعدئذ سفينة باسم «الخليفة» وهي من السفن الجيدة لشركة لنج تعمل في نهر دجلة.
كانت هذه السفينة مكتظة بالزوار كسفينة الموصل. وبين أثاث هؤلاء الزوار الفقراء رأيت سجادة ذات لون ثابت جميل ونقوش بديعة. وبعد أن أنهى صاحبها الصلاة سألته عن سعرها فطلب مبلغا كبيرا لبيعها ، والواقع أنه لم يكن يتناسب مع زهده الذي كان يظهر عليه وأطماعه التجارية ، لذلك صرفت النظر عنه وعدت إلى حجرتي. وبمجرد أن دخلتها رأيت من يطرق الباب ولما فتحته وجدت نفسي أمام زائر آخر يتأبط صرة كبيرة وقال بتردد وحذر وهو يلتفت إلى أطرافه : «لقد جئت إليك بشيء نفيس» ومد يده إليها وأخرج زوجا من (البوتين) كان لكثرة استعماله قد اهترأ وتمزّق؟!
نظرت إليه بتعجّب ودهش وقلت له باستنكار : أو تريد أن تبيعني هذا الحذاء؟
أجل .. أما أردت أن تشتري سجادة تقي العتيقة إن هذه الأحذية أعتق وأكثر قدما من تلك السجادة.
لقد تعجب البائع الأبله السخيف أني لم أشتر بضاعته العتيقة التي لا يشك فيها أحد؟! وقبل أن يتركني أخذ يغلظ الأيمان بأن هذا الحذاء قديم وعتيق وله في هذه الحالة أهمية وأي أهمية ..
وفي اليوم الثاني توقفت السفينة في العمارة وهبطنا نحن منها مع من هبط فيها.
__________________
(١) الصحيح : بنات آوى أي الواوية لا الثعالب. «المترجم»