واحد بفعل وجود الطين والوحل. ذلك لأن تيار الماء السريع يتغيّر من يوم لآخر ، ومن أسبوع لآخر ثم هذا التيار يأخذ معه الطين إلى محلات عميقة من النهر وفي أغلب الأحايين يتحتم على الربان أن يستعين «بالشاقول» لمعرفة مدى عمق النهر ولا سيما في فصل الصيف عند ما يهبط الماء فتصعب عندئذ قيادة السفينة. ويتفق في مثل هذه الأحوال أن تغوص السفينة في الطين عدّة أيام إن لم تمتد إلى أسابيع ولا تستطيع أن تخرج إلّا بعد تفريغها من المسافرين ومما تحمل من بضائع بزوارق إلى الساحل حتى أن هذه العملية ربما لا تجد فيها نفعا بعض الأحيان فتضطر السفينة أن تنتظر مرور سفينة أخرى بها لتنتشلها من الأوحال والطين وتكون عندئذ خالية من ركابها ومن بضائعها ..
وكثيرا ما يتفق أن تنتشل السفينة وتسير عشر كيلومترات وتضطر إلى الوقوف مرة أخرى بسبب الطين أيضا وتعاد العملية من جديد عندئذ وذلك بنقل المسافرين إلى الساحل بعد تفريغها من البضائع تفريغا يشارك فيه المسافرون أنفسهم صغارهم وكبارهم شيبهم وشبانهم نساؤهم ورجالهم!!
كان رفيقنا الصياد يصغي إلى هذا الحديث باهتمام وعند ما اتمّ الكابتن كلامه قال : إنني لمتأسف جدّا أن أسافر في هذا الفصل وعلى مثل هذه السفينة ولو كنت أعلم بكل هذه التفاصيل لأجلت موعد سفري إلى الصيف الذي تزيد فيه حوادث غوص السفن في الأوحال!!
ولقد زعقت عليه بقولي : وإني كذلك متأسفة لأنك لم تعلم ذلك قبل الآن ، وتسافر في وقت غير مناسب. ولكني أنا جد مسرورة لسفري الآن لأني لا أرغب ـ على أي حال ـ في أن أقوم بدور حمال وإن كان من مخزن السفينة إلى الساحل!
بلغت السفينة بعد عدّة ساعات قرية صغيرة تسمّى «القرنة» وهي تقع في مكان يلتقي فيه نهرا دجلة والفرات ويتكوّن من هذا الالتقاء ما يسمّى بشط العرب. تشير المعلومات التاريخية القديمة إلى أن هذه القرية كانت من أجمل بقاع العالم يومئذ حتى إنها كانت تسمى جنة الأرض. ولكنها اليوم ويا للأسف الشديد ، لم يبق من ذلك الفتون أي شيء ، ولا يطالعك فيها إلّا ساحل قذر