ومن الإنصاف القول إن رئيس السفينة هذا لم يكن غبيّا بالدرجة التي تصورتها إذ إنه بعد هذه الحادثة عرف (بثاقب بصره البعيد)!! أن أمثال هذه السفرات تكلف دولته كثيرا وأنه لا سبيل إلى الحصول على الفحم لأن الباب العالي لا يدفع دانقا واحدا ، لذلك هداه تفكيره النير إلى حل وجيه وهو أن يسد نفقات الفحم من أثمان (٨٠٠) جمل استولت عليها سلطات الأمن من قبيلة كانت خارجة عن القانون منذ وقت قريب!!
قدم هذا الاقتراح إلى المسؤولين وأخذ هؤلاء به فورا. فدفع صاحبنا الرئيس إلى المقاول بكل هذا العدد الضخم من الجمال ولما رأى هذا أنه يأخذ أكثر مما يستحق ، قدم للرئيس ما بين ٢٠٠ ـ ٣٠٠ جملا حلوانا (بقشيشا) له. وهكذا تمّت الصفقة ربح المقاول والرئيس على السواء!!
وعند ما بلغ الكابتن هذا الحد أردف قائلا : الخلاصة أن القضايا أخذت تجري على النحو المطلوب إلّا أنني وقعت في مأزق حرج إذ كان عليّ أن أزرع السمسم لكي ينضج جمالا!!
وكان لنا رفيق سفر آخر ـ إلى جانب مسيو ديمينيس ـ إلّا أن مخايل البله والجنون كانت تبدو عليه. ومما حدثنا به رأيه أن السفن التركية تغوص في الطين أكثر من السفن الإنكليزية ، وهو لهذا السبب يفضل ركوب السفن الأولى في سفراته بين البصرة وبغداد لا لشيء إلّا لأنه يتاح له فيها الصيد على سواحل دجلة؟!
وعند ما وصل الحديث إلى ذكر الصيد وغوص السفينة في الطين تذكرت ما لقيناه في شط كارون من نصب وعذاب ولهذا رأيتني أسأل الكابتن عن المدة التي تستغرقها سفرتنا هذه وعمّا يحتمل أن نلاقيه من مشاق ومتاعب ..
فكّر بطل السمسم لحظة ثم قال : لا خوف على سفينتنا من الغوص في هذه الأيام التي ترتفع فيها المياه. أمّا المدّة التي تستغرقها سفرتنا فلا أرى أنها تتجاوز أسبوعا!! ولكني في الوقت نفسه لا أستطيع أن أجزم أو أقطع بقولي هذا ..
إنني أعمل في هذا الطريق منذ سنوات عدّة ولم يتفق أن وصلت إلى بغداد في سفرتين متتاليتين بمدة واحدة ، كما لم تتوقف سفينتي مرتين في محل