واحدة .. ويظهر عليه كتل من الناس بألبستهم المختلفة وهم في حالة رواح ومجيء دون أن يلووا على شيء ، وكأنهم يذهبون إلى دوائرهم الرسمية أو إلى متاجرهم. كما هناك ثمة عدد كبير من النساء ـ يظهرن ـ أيضا بعباءاتهن الحمر أو الزرق أو الخضر. يذهبن ويجئن مع الرجال وهم يرتدون الألبسة البيضاء أو الصفراء كتفا إلى كتف!! وزيادة على كل هؤلاء الناس فثمة حيوانات كقوافل من الجمال والحمير والجياد تعبر على هذا الجسر الذي لا سياج ولا دعائم تمسكه!! وخلاصة القول أن ألبسة هؤلاء الرجال والنسوة الزاهية الملونة بألوان مختلفة كانت تشكل منظرا خلابا وكأني بها قد قبست ـ ألوانها تلك ـ من قوس قزح!!
ليس من الممكن أن نقيس بغداد بإسلامبول ودجلة بالبسفور فلا وجه للمقارنة بين ذلك قط!! إنني لم أر على جسور إسلامبول أو (سر عسكرية) أو (الطوبخانة) مثل هذا المنظر الجميل الذي رأيته اليوم على جسر بغداد! .. لم أر مثل ذلك الجمع الغفير بالملابس الزاهية المختلفة وهم في دأب ونشاط!!
والواقع لم يكن ذلك الازدحام مقصورا على خيط الجسر الذي يبدو من بعيد بل كان أينما وجهت بصري أراه .. هنا في المحل الذي رست فيه سفينتنا وهناك على الضفاف النائية .. ويبدو على هذه الضفاف قوارب كثيرة ربط كل منها بحبل بالأرض الصلبة .. كما أرى في وسط النهر زوارق أخرى بأشكال وأحجام مختلفة وهي في حركة دائبة!! وثمة سفن شراعية تحمل الحبوب والبضائع الأخرى وتصنع مثل هذه السفن ـ في العادة ـ من جذوع النخل (١) وتطلى بطبقة كثيفة من القار من الداخل والخارج ..
إن مثل هذه الوسائط للنقل لا يكلف صنعها مبلغا كبيرا من المال كما أن إصلاحها إذا ما أصابها عطب سهل ميسور وهو أن يتم طليها مرّة أخرى بالقار. وأرى من مكاني هنا عدّة أشخاص منهمكين في صنع واسطة كهذه الوسائط
__________________
(١) غير معروف ولا مشهور أن تصنع السفن الشراعية من الجذوع بل المعروف أنها مصنوعة من ألواح الخشب. «المترجم»