وقالت الأخت لهن : «ماذا تعملن يا طفلات؟ ما هذا؟ ما هذه الأعمال القبيحة؟ لماذا عريتن زميلتكن الصغيرة هكذا؟ أجابتها على الفور إحدى الطالبات الصغيرات التي يظهر أنها كانت تقوم بدور القابلة في هذه التمثيلية الطريفة بقولها : «أيتها الأخت الحبيبة لقد انتهى كل شيء انها تعذبت وتألمت كثيرا ، ولكن لله الحمد قد انتهت الشدّة وأنجبت هذا الطفل الجميل الذي أقدمه إليك» وهنا قدمت إليها لعبة صغيرة من الفرفوري مزينة بزينات طريفة ..
هذه هي عادات وسيرة هاته البنات الفطرية. فكيف يمكن بهذه الحالة من تعليم مثل هذه القابلة التي في السابعة من عمها البستنة أو أي عمل آخر. والواقع أنني كلما أردت أن أصف ما تتحمله تلك الأخوات وما يقمن به من جزيل الخدمات هو قليل وناقص. إنهن دائما يواجهن مثل تلك العادات التي تدل على جدب أخلاقي ويقمن على محاربته بكل ما أوتين من قوة وبأس وصبر.
وهذه الأخوات المسكينات يقدمن عادة من بيروت إلى بغداد ، في طريق يقطعنه بأربعة وعشرين يوما على ظهور الجياد ويضطررن أن ينمن في الطريق بخانات قذرة متهدمة دون أن يبدين تأففا أو انزعاجا.
في مؤسسة بغداد الخيرية هذه خمس راهبات وقد جئن من بيروت. اثنتان منهن ما زالتا في المستشفى منذ قدومهما وذلك لما أصيبتا به من مرض في أثناء سلوك الطريق الوعر حتى أشرفن على الموت ، ولقد علمت أن أمل شفائهن جد قليل ، لعدم ملائمة طبيعة مناخ هذه البلاد لهن. أما الثلاث الأخريات اللاتي في صحة جيدة فيقمن الآن على تربية وتعليم خمسمائة فتاة صغيرة ولقد أنبأنني بأنهن يفكرن في إنشاء مستشفى مجاني للفقراء.
وبعد أداء مراسم يوم الأحد المعتادة يأخذ الرجال النصارى وهم بألبستهم الفاخرة مع نسائهم اللاتي يتأنقن بحسب مبادئ آخر الموضات الحديثة في التزاور فيزور بعضهم بعضا ، ومن الطبيعي أن القنصل الفرنسي شخصية محترمة في البلد وأن الكثيرين سيأتون لزيارته اليوم الذي هو عيد كما أسلفت من القول.