اصطلح على تسميته استبحار الأراضى ، وفى هذه الحالة يعقب انصراف تلك الزيادة حدوث الأوبئة والأمراض بمصر (١).
أما إذا نقصت مياه النهر عن حد الوفاء ، فإن ذلك يعتبر نذيرا بحدوث المجاعة لنقص الزروع والأقوات ، ثم يعقب ذلك حدوث الوباء ، وتفشى حالات الموت الجماعى ، واضطراب أحوال البلاد وانتشار الفوضى والقلاقل.
ومن الملاحظ أيضا على بعض كتابات علماء المسلمين عن نهر النيل ، أنهم حاولوا إرجاع زيادة أو نقص مياه النيل إلى حركة الشمس والقمر فى البروج السماوية ، «بسبب النور والظلمة ، والبدر والمحاق» (٢) ، فأرجعوا زيادة ماء النيل إلى المد الذى يكون فى البحر ؛ فإذا فاض ماء البحر تراجع النيل وفاض على الأراضى ، وفسروا ذلك بأن حركة البحر التى أطلق عليها «المد والجزر» تحدث فى كل يوم وليلة مرتين ، وفى كل شهر قمرى مرتين ، وفى كل سنة مرتين (٣).
بل إن بعض الجغرافيين ذكر فى مؤلفه أنه لمعرفة زيادة النيل أو نقصانه فى كل سنة قبل حدوثها ، فإن ذلك يستطلع ويستنتج من حركة القمر والشمس فى البروج ، وقسم البروج إلى نارية ، وترابية ، ومائية ، وهوائية. وذكر أن القمر إذا كان فى البروج النارية فهذا يدل على قلة الماء ونقصانه ، وإن كان القمر فى البروج الترابية تكون مياه النيل متوسطة ، وإن كان القمر فى البروج المائية فهذا يدل على كثرة مياه النيل وتوقع حدوث استبحار الأراضى ، أما إذا كان القمر فى البروج الهوائية فإن مياه النيل تكون كثيرة المنافع قليلة الضرر (٤).
ومن الجدير بالذكر أن زيادة النيل كان يستدل بها عن حالة الثروة القومية للبلاد فى كل سنة. لذلك كان من الطبيعى أن يهتم المصريون منذ أقدم العصور بمقاييس النيل التى بنوها على النهر من أسوان حتى القاهرة. وهذه المقاييس بنيت لقياس مستوى المياه
__________________
(١) المسعودى : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٤٢.
(٢) المسعودى : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٩٨.
(٣) لمزيد من التفاصيل عن المد والجزر اليومى والشهرى والسنوى راجع ما ذكره المقريزى فى الخطط ، ج ١ ، ص ٥٤ ـ ٥٥.
(٤) المنوفى : الفيض المديد فى أخبار النيل السعيد ، ص ١٧ ـ ١٨ ؛ راجع أيضا الخطط ، ج ١ ، ص ٦٧ ـ ٦٨.