وكان الفرات [الأكثر](١) من مائة ينتهى إلى بلاد الحيرة (٢) ، ونهرهن إلى هذا الوقت ، وهو يعرف بالعتيق ـ وعليه كانت وقعة المسلمين مع رستم ، وهى وقعة القادسية (٣) ـ فيصب فى البحر الحبشى. وكان البحر يومئذ فى الموضع المعروف بالنجف (٤) فى هذا الوقت ، و [كانت](٥) تقدم هناك سفن الصين والهند ، ترد إلى ملوك الحيرة.
وقد ذكر جماعة أن خالد بن الوليد المخزومى لما أقبل يريد الحيرة (٦) فى سلطان [٥١] أبى بكر ، من بعد فتح اليمامة (٧) ، وقتل / كذاب بنى حنيفة ، ورآه أهل الحيرة ، تحصنوا منه فى القصر الأبيض ، وقصر القادسية ، وقصر ابن بقيلة ، وهذه أسماء قصور كانت بالحيرة ، وهى الآن خراب لا أنيس بها ، وبينها وبين الكوفة ثلاثة أميال. فلما نظر خالد ابن الوليد إلى أهل الحيرة وقد تحصنوا منه ، أمر بالعسكر فنزل نحو النجف ، وأقبل خالد على فرسه ومعه ضرار (٨) بن الأزور الأسدى ، وكان من فرسان العرب ، فوقفا حيال قصر بنى ثعلبة ، فجعل العباديون يرمونهما بالخزف ، فجعل فرسه ينفر ، فقال له ضرار : أصلحك الله ، ليست لهم مكيدة أعظم مما ترى.
__________________
(١) «الأكبر» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٣.
(٢) الحيرة : مدينة بالقرب من الكوفة ، على موضع يقال له النجف. انظر : معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ٣٧٥ ـ ٣٨٠.
(٣) القادسية : من مدن العراق ، تقع على حافة البادية وحافة سواد العراق ، بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا فى طريق الحاج ، وعليها كانت الوقعة المعروفة بوقعة القادسية سنة ١٦ ه. انظر : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٧ ـ ٩ ؛ صبح الأعشى ، ج ٤ ، ص ٣٣٧.
(٤) النجف : من مدن العراق ، فيها مشهد على بن أبى طالب الذى يكرمه الشيعة ويقدسونه ، وهى على نحو أربعة أميال من غرب خرائب الكوفة. انظر : الإصطخرى : المسالك والممالك ، ص ٨٢ ؛ لسترانج : بلدان الخلافة الشرقية ، ص ١٠٣ ـ ١٠٥. ويذكر ياقوت أنها عين بظهر الكوفة تمنع مسيل الماء أن يعلو الكوفة ومقابرها. انظر : معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ٧٦٠.
(٥) «كان» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من مروج الذهب ، ج ١ ، ص ١٠٣.
(٦) راجع تاريخ الطبرى ، ج ٤ ، ص ٢ ـ ٧ ، ص ١٥ ـ ١٦ ، ط. دار القلم ، بيروت.
(٧) اليمامة : تعد من نجد ، وقاعدتها حجر. وكان فتح اليمامة سنة ١١ ه فى خلافة أبى بكر الصديق. انظر : تاريخ الطبرى ، ج ٢ ، ص ٢٤٣ وما بعدها ؛ معجم البلدان ، ج ٤ ، ص ١٠٢٧.
(٨) هو ضرار بن الأزور بن مرداس بن حبيب بن عمرو بن كثير .... الأسدى ، قاتل يوم اليمامة أشد القتال حتى قطعت ساقاه جميعا ، فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل وتطؤه الخيل حتى غلبه الموت ، وذلك فى سنة ١٣ ه.
انظر : طبقات ابن سعد ، ج ٦ ، ص ٣٩ ، ط. دار صادر ، بيروت ؛ ابن عبد البر : الاستيعاب فى معرفة الأصحاب ، ج ٢ ، ص ٧٤٦ ـ ٧٤٩ ، تحقيق على محمد البجاوى ، ط. أولى ، دار الجيل ، بيروت ١٩٩٢ ؛ الذهبى : تاريخ الإسلام ، ص ٩٣ ـ ٩٤ ، حوادث ووفيات من ١١ ـ ٤٠ ه ، تحقيق عمر عبد السلام تدمرى ، ط.
دار الكتاب العربى ، بيروت ٢٠٠٣ م.