وذهب الكوفيّون وتبعهم أبو بكر الزبيديّ وغيره إلى جواز إلغاء المتقدم فلا يحتاجون إلى تأويل البيتين.
وإنما قال المصنف «وجوّز الإلغاء» لينبّه على أنّ الإلغاء ليس بلازم بل هو جائز ، فحيث جاز الإلغاء جاز الإعمال كما تقدم ، وهذا بخلاف التعليق ، فإنه لازم ، ولهذا قال : «والتزم التعليق» (١).
فيجب التعليق إذا وقع بعد الفعل :
ـ «ما» النافية نحو «ظننت ما زيد قائم» (٢).
ـ أو «إن» النافية نحو : «علمت إن زيد قائم» ، ومثلوا له بقوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً)(٣). وقال بعضهم : ليس هذا من باب التعليق في شيء ، لأن شرط التعليق أنه إذا حذف المعلّق تسلّط العامل على ما بعده فينصب مفعولين نحو : «ظننت ما زيد قائم» فلو حذفت «ما» لقلت : «ظننت زيدا قائما» ، والآية الكريمة لا يتأتى فيها ذلك ، لأنك لو حذفت المعلّق وهو «إن» لم يتسلّط «تظنون» على «لبثتم» إذ لا يقال : «وتظنون لبثتم» ، هكذا زعم هذا القائل ، ولعله مخالف لما هو
__________________
(١) من الفروق أيضا أن العامل الملغى يقع متوسطا أو متأخرا ، والمعلّق لا يقع إلا متقدما وأن الملغى لا عمل له لا في اللفظ ولا في المحل ، والمعلّق يعمل في المحل دون اللفظ ، ويجوز العطف على محله بالنصب ، وأن الملغى لا يحتاج إلى فاصل بينه وبين معموله ، أما المعلق فلا بد له من فاصل هو الذي يعلقه عن العمل في اللفظ ، وأن الإلغاء يصيب المفعولين معا ، أما التعليق فقد يكون عن واحد منهما فقط مثل : علمت زيدا من أخوه.
(٢) اعتبرت : «ما» و «لا» و «إن» النافيات معلقة عن العمل سواء أكانت عاملة أم مهملة ، والجملة الداخلة عليها في محل نصب سدّت مسدّ المفعولين.
(٣) الإسراء (٥٢) والآية كاملة : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) إن : نافية ، لبث : فعل ماض ، والتاء : فاعل ، والميم : للجمع ، إلا : أداة حصر ، قليلا : مفعول مطلق ناب عن المصدر (أي لبثا قليلا) ، والجملة في محل نصب سدّت مسدّ مفعولي ظنّ المعلق عن العمل بإن النافية.