للتبعيّة ، فهما وجهان لعملة واحدة ، لا ينفصل عنوانها الثقافي عن وجهها الاقتصادي والسياسي ..
من هنا فإنّ الاعتماد على الذات والاستقلال أو التبعيّة والتقليد الأعمى للآخرين يبدآن بالفكر والثقافة قبل الاقتصاد والسياسة ; إذ إنّ الفكر المستقلّ سيصنع اقتصاداً مستقلاًّ يعتمد على واقعه الموضوعي وخصوصيّاته الذاتيّة ، كما أنّ الفكر التابع أو الثقافة المهزومة مهما اُوتيت من إمكانات مادّيّة هائلة لن تخرج عن إطار التبعيّة الاقتصاديّة ونقل النظريّات الجاهزة وتطبيقها في تربة ليست تربتها ..
يقول ياسين الحافظ : إنّ التخلّص من التقليد ـ ذوي الجذور العميقة في العقل الشرقي ـ كان سيرورة تطوّر بطيئة متلاحقة ، جاءت من خلال الممارسة والتأمّل والتثقّف في آن ، وأ نّه لا يمكن بالنتيجة التخلّص منه بموقف قطيعة انقصافيّة ..
من الصعب أن يؤكّد أحد أنّه تخلّص نهائيّاً وكلّيّاً من تأثيرات التقليد الواعية أو غير الواعية في مجتمع متأخّر لم يشهد ثورة ديمقراطيّة وقوميّة .. وبالتالي يصعب أن يؤكّد أحدٌ أنّه أصبح عقلانيّاً وواقعيّاً بكلّ معنى الكلمة في منهج شرقي ضاغط ومفعم بالشعوريّة والمعتقديّة .. وهذا يعني أنّ التأثيرات المجتمعيّة المتخلّفة تجعل امتلاك العقلانيّة والواقعيّة معركة مفتوحة ينبغي أن يعاد كسبها على الدوام ، وأ نّه ينبغي تنمية وتعميق هذه العقلانيّة والواقعيّة باستمرار ..