البحث
البحث في تفسير التّحرير والتّنوير
و (الْأَنْعامِ) زينة لأهل الوبر قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل : ٦]. وفيها منافع عظيمة أشار إليها قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) الآيات في سورة النحل [٥] ، وقد لا تتعلّق شهوات أهل المدن بشدّة الإقبال على الأنعام لكنّهم يحبّون مشاهدها ، ويعنون بالارتياح إليها إجمالا.
(وَالْحَرْثِ) أصله مصدر حرث الأرض إذا شقّها بآلة ليزرع فيها أو يغرس ، وأطلق هذا المصدر على المحروث فصار يطلق على الجنّات والحوائط وحقول الزرع ، وتقدم عند قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) في سورة البقرة [٢٢٣] وعند قوله : (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) [البقرة : ٧١] فيها.
والإشارة بقوله : (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) إلى جميع ما تقدم ذكره ، وأفرد كاف الخطاب لأنّ الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم أو لغير معيّن ، على أنّ علامة المخاطب الواحد هي الغالب في الاقتران بأسماء الإشارة لإرادة البعد ، والبعد هنا بعد مجازي بمعنى الرفعة والنفاسة.
والمتاع مؤذن بالقلة وهو ما يستمتع به مدة.
ومعنى (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) أنّ ثواب الله خير من ذلك. والمآب : المرجع ، وهو هنا مصدر ، مفعل من آب يئوب ، وأصله مأوب نقلت حركة الواو إلى الهمزة ، وقلبت الواو ألفا ، والمراد به العاقبة في الدنيا والآخرة.
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧))
استئناف بياني ، فإنّه نشأ عن قوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١٤] المقتضي أنّ الكلام مسوق مساق الغضّ من هذه الشهوات. وافتتح الاستئناف بكلمة (قُلْ) للاهتمام بالمقول ، والمخاطب بقل النبي صلىاللهعليهوسلم. والاستفهام للعرض تشويقا من نفوس المخاطبين إلى تلقّي ما سيقصّ عليهم كقوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الصف : ١٠] الآية.