سورة النساء أنّ القنطار مأخوذ من قنطرت الشيء إذا رفعته ، تكلّف. وقد كان القنطار عند العرب ، وزنا ومقدارا ، من الثروة ، يبلغه بعض المثرين : وهو أن يبلغ ماله مائة رطل فضة ، ويقولون : قنطر الرجل إذا بلغ ماله قنطارا وهو اثنا عشر ألف دينار أي ما يساوي قنطارا من الفضة ، وقد يقال : هو مقدار مائة ألف دينار من الذهب.
و (الْمُقَنْطَرَةِ) أريد بها هنا المضاعفة المتكاثرة ، لأنّ اشتقاق الوصف من اسم الشيء الموصوف ، إذا اشتهر صاحب الاسم بصفة ، يؤذن ذلك الاشتقاق بمبالغة في الحاصل به كقولهم : ليل أليل ، وظل ظليل ، وداهية دهياء ، وشعر شاعر ، وإبل مؤبّلة ، وآلاف مؤلّفة.
(وَالْخَيْلِ) محبوبة مرغوبة ، في العصور الماضية وفيما بعدها ، لم ينسها ما تفنّن فيه البشر من صنوف المراكب برّا وبحرا وجوّا ، فالأمم المتحضّرة اليوم مع ما لديهم من القطارات التي تجري بالبخار وبالكهرباء على السكك الحديدية ، ومن سفائن البحر العظيمة التي تسيّرها آلات البخار ، ومن السيّارات الصغيرة المسيّرة باللوالب تحرّكها حرارة النفط المصفّى ، ومن الطيّارات في الهواء ممّا لم يبلغ إليه البشر في عصر مضى ، كلّ ذلك لم يغن الناس عن ركوب ظهور الخيل ، وجرّ العربات بمطهّمات الأفراس ، والعناية بالمسابقة بين الأفراس.
وذكر الخيل لتواطؤ نفوس أهل البذخ على محبّة ركوبها ، قال امرؤ القيس :
كأنّي لم أركب جوادا للذّة
و (الْمُسَوَّمَةِ) الأظهر فيه ما قيل : إنّه الراعية ، فو مشتق من السّوم وهو الرعي ، يقال : أسام الماشية إذا رعى بها في المرعى ، فتكون مادة فعّل للتكثير أي التي تترك في المراعي مددا طويلة وإنّما يكون ذلك لسعة أصحابها وكثرة مراعيهم ، فتكون خيلهم مكرمة في المروج والرياض وفي الحديث في ذكر الخيل «فأطال لها في مرج أو روضة».
وقيل : المسوّمة من السّومة ـ بضم السين ـ وهي السّمة أي العلامة من صوف أو نحوه ، وإنّما يجعلون لها ذلك تنويها بكرمها وحسن بلائها في الحرب ، قال العتّابي :
ولو لا هنّ قد سوّمت مهري |
|
وفي الرحمن للضعفاء كاف |
يريد جعلت له سومة أفراس الجهاد أي علامتها وقد تقدم اشتقاق السمة والسومة عند قوله تعالى : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) في سورة البقرة [٢٧٣].