وأصحاب الجحيم ملازموه. والجحيم جهنّم. وأصل الجحيم النار العظيمة تجعل في حفرة ليدوم لهيبها. يقال : نار جحمة ، أي شديدة اللهب. قال بعض الطائيين من الجاهلية من شعراء الحماسة :
نحن حبسنا بني جديلة في |
|
نار من الحرب جحمة الضرم |
[٧٨ ، ٨٨] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨))
استئناف ابتدائي خطاب للمؤمنين بأحكام تشريعية ، وتكملة على صورة التفريع جاءت لمناسبة ما تقدّم من الثناء على القسّيسين والرهبان. وإذ قد كان من سنّتهم المبالغة في الزهد وأحدثوا رهبانية من الانقطاع عن التزوّج وعن أكل اللحوم وكثير من الطيّبات كالتدهّن وترفيه الحالة وحسن اللباس ، نبّه الله المؤمنين على أنّ الثناء على الرهبان والقسّيسين بما لهم من الفضائل لا يقتضي اطّراد الثناء على جميع أحوالهم الرهبانيّة. وصادف أن كان بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد طمحت نفوسهم إلى التقلّل من التعلّق بلذائذ العيش اقتداء بصاحبهم سيّد الزاهدين صلىاللهعليهوسلم. روى الطبري والواحدي أنّ نفرا تنافسوا في الزهد. فقال أحدهم : أمّا أنا فأقوم الليل لا أنام ، وقال الآخر : أمّا أنا فأصوم النهار ، وقال آخر : أمّا أنا فلا آتي النساء ، فبلغ خبرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبعث إليهم ، فقال : «ألم أنبّأ أنّكم قلتم كذا. قالوا : بلى يا رسول الله ، وما أردنا إلّا الخير ، قال : لكنّي أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآتي النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» فنزلت هذه الآية. ومعنى هذا في «صحيحي البخاري ومسلم» عن أنس بن مالك وليس فيه أنّ ذلك سبب نزول هذه الآية.
وروي أنّ ناسا منهم ، وهم : أبو بكر ، وعليّ ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وأبو ذرّ ، وسالم مولى أبي حذيفة ، والمقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مقرّن اجتمعوا في دار عثمان بن مظعون واتّفقوا على أن يرفضوا أشغال الدنيا ، ويتركوا النساء ويترهّبوا. فقام رسول الله فغلّظ فيهم المقالة ، ثم قال : «إنّما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع». فنزلت فيهم هذه الآية .. وهذا الخبر يقتضي أنّ هذا الاجتماع كان في أول مدّة الهجرة لأنّ عثمان بن مظعون لم يكن له دار بالمدينة وأسكنه النبي صلىاللهعليهوسلم في دار أمّ العلاء