الذين كفروا بأنّها صارت سفلى أفاد أنّ العلاء انحصر في دين الله وشأنه. فضمير الفصل مفيد للقصر ، ولذلك لم تعطف كلمة الله على كلمة الذين كفروا ، إذ ليس المقصود إفادة جعل كلمة الله عليا ، لما يشعر به الجعل من إحداث الحالة ، بل إفادة أنّ العلاء ثابت لها ومقصور عليها ، فكانت الجملة كالتذييل لجعل كلمة الذين كفروا سفلى.
ومعنى جعلها كذلك : أنّه لمّا تصادمت الكلمتان وتناقضتا بطلت كلمة الذين كفروا واستقرّ ثبوت كلمة الله.
وقرأ يعقوب ، وحده (وَكَلِمَةُ اللهِ) بنصب (كلمة) عطفا على (كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) فتكون كلمة الله عليا بجعل الله وتقديره.
وجملة (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) تذييل لمضمون الجملتين : لأنّ العزيز لا يغلبه شيء ، والحكيم لا يفوته مقصد ، فلا جرم تكون كلمته العليا وكلمة ضدّه السفلى.
(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١))
الخطاب للمؤمنين الذين سبق لومهم بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) [التوبة : ٣٨] ، فالنفير المأمور به ما يستقبل من الجهاد. وقد قدّمنا أنّ الاستنفار إلى غزوة تبوك كان عامّا لكلّ قادر على الغزو : لأنّها كانت في زمن مشقّة ، وكان المغزوّ عدوّا عظيما ، فالضمير في (انْفِرُوا) عام للذين استنفروا فتثاقلوا ، وإنّما استنفر القادرون ، وكان الاستنفار على قدر حاجة الغزو ، فلا يقتضي هذا الأمر توجّه وجوب النفير على كلّ مسلم في كلّ غزوة ، ولا على المسلم العاجز لعمى أو زمانة أو مرض ، وإنّما يجري العمل في كلّ غزوة على حسب ما يقتضيه حالها وما يصدر إليهم من نفير. وفي الحديث : «وإذا استنفرتم فانفروا».
و (خِفافاً) جمع خفيف وهو صفة مشبّهة من الخفّة ، وهي حالة للجسم تقتضي قلّة كمية أجزائه بالنسبة إلى أجسام أخرى متعارفة ، فيكون سهل التنقّل سهل الحمل. والثقال ضدّ ذلك. وتقدّم الثقل آنفا عند قوله : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) [التوبة : ٣٨].
والخفاف والثقال هنا مستعاران لما يشابههما من أحوال الجيش وعلائقهم ، فالخفّة تستعار للإسراع إلى الحرب ، وكانوا يتمادحون بذلك لدلالتها على الشجاعة والنجدة ، قال قريط بن أنيف العنبري :