في آدم وزوجه قوة التناسل ، فصار الخلق من النطفة فلذلك عطفت ب (ثم).
والنطفة : اسم لمني الرجل ، وهو بوزن فعلة بمعنى مفعول ، أي منطوف ، والنطف : القطر والصب. والعلقة : القطعة من الدم الجامد اللين.
والمضغة : القطعة من اللحم بقدر ما يمضغ مثله ، وهي فعلة بمعنى مفعولة بتأويل : مقدار ممضوغة. و (ثم) التي عطف بها (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) عاطفة مفردات فهي للتراخي الحقيقي.
و (من) المكررة أربع مرات هنا ابتدائية وتكريرها توكيد.
وكون الإنسان مخلوقا من النطفة لأنه قد تقرر في علم الطب أن في رحم المرأة مدة الحيض جزءا هو مقر الأجرام التي أعدت لأن يتكون منها الجنين ، وهذا الجزء من الرحم يسمى في الاصطلاح الطبي (المبيض) ـ بفتح الميم وكسر الموحدة على وزن اسم المكان ـ لأنه مقر بيضات دقيقة هي حبيبات دقيقة جدا وهي من المرأة بمنزلة البيضة من الدجاجة أو بمنزلة حبوب بيض الحوت ، مودعة في كرة دقيقة كالغلاف لها يقال لها (الحويصلة) ـ بضم الحاء بصيغة تصغير حوصلة ـ تشتمل على سائل تسبح فيه البيضة فإذا حاضت المرأة ازدادت كمية ذلك السائل الذي تسبح فيه البيضة فأوجب ذلك انفجار غلاف الحويصلة ، فيأخذ ذلك السائل في الانحدار يحمل البيضة السابحة فيه إلى قناة دقيقة تسمى (بوق فلوبيوس) لشبهه بالبوق ، وأضيف إلى (فلوبيوس) اسم مكتشفه وهو البرزخ بين المبيض والرحم ، فإذا نزل فيه ماء الرجل وهو النطفة بعد انتهاء سيلان دم الحيض لقحت فيه البيضة واختلطت أجزاؤها بأجزاء النطفة المشتملة على جرثومات ذات حياة وتمكث مع البيضة متحركة مقدار سبعة أيام تكون البيضة في أثنائها تتطور بالشكل بشبه تقسيم من أثر ضغط طبيعي. وفي نهاية تلك المدة تصل البيضة إلى الرحم وهنالك تأخذ في التشكل ، وبعد أربعين يوما تصير البيضة علقة في حجم نملة كبيرة طولها من ١٢ إلى ١٤ مليمتر ، ثم يزداد تشكلها فتصير قطعة صغيرة من لحم هي المسماة (مضغة) طولها ثلاثة سنتيمتر تلوح فيها تشكلات الوجه والأنف خفيّة جدا كالخطوط ، ثم يزداد التشكل يوما فيوما إلى أن يستكمل الجنين مدته فيندفع للخروج وهو الولادة.
فقوله تعالى : (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) صفة (مُضْغَةٍ). وذلك تطور من تطورات المضغة. أشار إلى أطوار تشكل تلك المضغة فإنها في أول أمرها تكون غير مخلّقة ، أي غير ظاهر فيها شكل الخلقة ، ثم تكون مخلّقة ، والمراد تشكيل الوجه ثم الأطراف ، ولذلك