والنهي عن المنكر آيل إلى الأمر بالمعروف وكذلك الأمر بالمعروف آيل إلى النهي عن المنكر وإنما جمعت الآية بينهما باعتبار أول ما تتوجه إليه نفوس الناس عند مشاهدة الأعمال ، ولتكون معرفة المعروف دليلا على إنكار المنكر وبالعكس إذ بضدها تتمايز الأشياء ، ولم يزل من طرق النظر والحجاج الاستدلال بالنقائض والعكوس.
(وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ)
عطف على جملة (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج : ٤٠] ، أو على جملة (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج : ٤٠] ، والمآل واحد ، وهو تحقيق وقوع النصر ، لأنّ الذي وعد به لا يمنعه من تحقيق وعده مانع ، وفيه تأنيس للمهاجرين لئلا يستبطئوا النصر.
والعاقبة : آخر الشيء وما يعقب الحاضر. وتأنيثها لملاحظة معنى الحالة وصارت بكثرة الاستعمال اسما. وفي حديث هرقل «ثم تكون لهم العاقبة».
وتقديم المجرور هنا للاهتمام والتنبيه على أن ما هو لله فهو يصرفه كيف يشاء.
[٤٢ ـ ٤٤] (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤))
لما نعى على المشركين مساويهم في شئون الدين بإشراكهم وإنكارهم البعث وصدّهم عن الإسلام وعن المسجد الحرام وما ناسب ذلك في غرضه من إخراج أهله منه ، عطف هنا إلى ضلالهم بتكذيب النبي صلىاللهعليهوسلم فقصد من ذلك تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم وتمثيلهم بأمثال الأمم التي استأصلها الله ، وتهديدهم بالمصير إلى مصيرهم ، ونظير هذه الآية إجمالا وتفصيلا تقدم غير مرة في سورة آل عمران وغيرها.
وجواب الشرط محذوف دلّ عليه قوله : (فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) إلخ إذ التقدير : فلا عجب في تكذيبهم ، أو فلا غضاضة عليك في تكذيب قومك إياك فإن تلك عادة أمثالهم.
وقوم إبراهيم هم الكلدان ، وأصحاب مدين هم قوم شعيب ، وإنما لم يعبّر عنهم بقوم شعيب لئلا يتكرر لفظ قوم أكثر من ثلاث مرات.
وقال : (وَكُذِّبَ مُوسى) لأن مكذّبيه هم القبط قوم فرعون ولم يكذبه قومه بنو إسرائيل.