وقصروه على صفة المجنون وهو قصر إضافيّ ، أي ليس برسول من الله.
وفرعوا على ذلك الحكم أمرا لقومهم بانتظار ما ينكشف عنه أمره بعد زمان : إمّا شفاء من الجنّة فيرجع إلى الرشد ، أو ازدياد الجنون به فيتضح أمره فتعلموا أن لا اعتداد بكلامه.
والحين : اسم للزمان غير المحدود.
والتربص : التوقف عن عمل يراد عمله والتريث فيه انتظارا لما قد يغني عن العمل أو انتظارا لفرصة تمكّن من إيقاعه على أتقن كيفية لنجاحه ، وهو فعل قاصر يتعدّى إلى المفعول بالباء التي هي للتعدية ومعناها السببية ، أي كان تربص المتربص بسبب مدخول الباء. والمراد : بسبب ما يطرأ عليه من أحوال ، فهو على نية مضاف حذف لكثرة الاستعمال ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) في سورة براءة [٩٨] فانظره مع ما هنا.
[٢٦ ، ٢٧] (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧))
استئناف بياني لأن ما حكي عن صدهم الناس عن تصديق دعوة نوح وما لفقوه من البهتان في نسبته إلى الجنون ، مما يثير سؤال من يسأل عمّا ذا صنع نوح حين كذّبه قومه فيجاب بأنه قال : (رَبِّ انْصُرْنِي) إلخ.
ودعاؤه بطلب النصر يقتضي أنه عدّ فعلهم معه اعتداء عليه بوصفه رسولا من عند ربه.
والنصر : تغليب المعتدى عليه على المعتدي ، فقد سأل نوح نصرا مجملا كما حكي هنا ، وأعلمه الله أنه لا رجاء في إيمان قومه إلّا من آمن منهم كما جاء في سورة هود ، فلا رجاء في أن يكون نصره برجوعهم إلى طاعته وتصديقه واتّباع ملته ، فسأل نوح حينذاك نصرا خاصا وهو استئصال الذين لم يؤمنوا كما جاء في سورة نوح [٢٦ ، ٢٧](وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ). فالتعقيب الذي في قوله تعالى هنا : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) تعقيب بتقدير جمل محذوفة كما علمت ، وهو