وأنسب المعاني بمقام الامتنان هو معنى الراحة وإن كان في كلا المعنيين اعتبار بدقيق صنع الله تعالى. وفسر الزمخشري السبات بالموت على طريقة التشبيه البليغ ناظرا في ذلك إلى مقابلته بقوله : (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً).
وإعادة فعل (جَعَلَ) في قوله : (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) دون أن يعاد في قوله (وَالنَّوْمَ سُباتاً) مشعرة بأنه تنبيه إلى أنه جعل مخالف لجعل الليل لباسا. وذلك أنه أخبر عنه بقوله (نُشُوراً) ، والنشور : بعث الأموات ، وهو إدماج للتذكير بالبعث وتعريض بالاستدلال على من أحالوه ، بتقريبه بالهبوب في النهار. وفي هذا المعنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم إذا أصبح «الحمد لله الذي أحيانا بعد إذ أماتنا وإليه النشور».
والنشور : الحياة بعد الموت ، وتقدم قريبا عند قوله تعالى : (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) [الفرقان : ٤٠]. وهو هنا يحتمل معنيين أن يكون مرادا به البروز والانتشار فيكون ضد اللباس في قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) فيكون الإخبار به عن النهار حقيقيا ، والمنّة في أن النهار ينتشر فيه الناس لحوائجهم واكتسابهم. ويحتمل أن يكون مرادا به بعث الأجساد بعد موتها فيكون الإخبار على طريقة التشبيه البليغ.
[٤٨ ـ ٥٠] (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠))
استدلال على الانفراد بالخلق وامتنان بتكوين الرياح والأسحبة والمطر. ومناسبة الانتقال من حيث ما في الاستدلال الذي قبله من ذكر حال النشور والامتنان به فانتقل إلى ما في الرّياح من النشور بذكر وصفها بأنها نشر على قراءة الجمهور ، أو لكونها كذلك في الواقع على قراءة عاصم. ومردود الاستدلال قصر إرسال الرياح وما عطف عليه على الله تعالى إبطالا لادعاء الشركاء له في الإلهية بنفي الشركة في التصرف في هذه الكائنات وذلك ما لا ينكره المشركون كما تقدم مثله في قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) [الفرقان : ٤٧] إلخ ..
وأطلق على تكوين الرياح فعل (أَرْسَلَ) الذي هو حقيقة في بعث شيء وتوجيهه ، لأن حركة الرياح تشبه السير. وقد شاع استعمال الإرسال في إطلاق العنان لخيل السباق.
وهذا الاستدلال بدقيق صنع الله في تكوين الرياح ، فالعامة يعتبرون بما هو داخل تحت