إلى قوله : (أَمِينٍ) [التكوير : ١٩ ـ ٢١] ، غير متعين انصرافها إلى جبريل فإنها محتملة الانصراف إلى محمد صلىاللهعليهوسلم. وقد يطغى عليه حب الاستدلال لعقائد أهل الاعتزال طغيانا يرمي بفهمه في مهاوي الضّالة ، وهل يسمح بال ذي مسكة من علم بمجاري كلام العقلاء أن يتصدى متصد لبيان فضل أحد بأن ينفي عنه أنه مجنون ، وهذا كله مبني على تفسير : (رَسُولٍ كَرِيمٍ) بجبريل فأما إن أريد به محمد صلىاللهعليهوسلم أو هو وجبريل عليهماالسلام فهذا مقتلع من جذره.
ولا يخفى أن العدول عن اسم النبي العلم إلى (صاحِبُكُمْ) لما يؤذن به (صاحِبُكُمْ) من كونهم على علم بأحواله ، وأما العدول عن ضميره إن كان المراد ب (رَسُولٍ) خصوص النبي صلىاللهعليهوسلم فمن الإظهار في مقام الإضمار للوجه المذكور وإذا أريد ب (رَسُولٍ) كلاهما فذكر (صاحِبُكُمْ) لتخصيص الكلام به.
(وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣))
عطف على جملة : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [التكوير : ٢٢].
والمناسبة بين الجملتين أن المشركين كانوا إذا بلغهم أن الرسول صلىاللهعليهوسلم يخبر أنه نزل عليه جبريل بالوحي من وقت غار حراء فما بعده استهزءوا وقالوا : إن ذلك الذي يتراءى له هو جنّي ، فكذبهم الله بنفي الجنون عنه ثم بتحقيق أنه إنما رأى جبريل القويّ الأمين. فضمير الرفع عائد إلى صاحب من قوله : (وَما صاحِبُكُمْ) وضمير النصب عائد إلى (رَسُولٍ كَرِيمٍ) [التكوير : ١٩] ، وسياق الكرم يبين معاد الرائي والمرئي.
و «الأفق» : الفضاء الذي يبدو للعين من الكرة الهوائية بين طرفي مطلع الشمس ومغربها من حيث يلوح ضوء الفجر ويبدو شفق الغروب وهو يلوح كأنه قبة زرقاء والمعنى رآه ما بين السماء والأرض.
و (الْمُبِينِ) : وصف الأفق ، أي للأفق الواضح البيّن.
والمقصود من هذا الوصف نعت الأفق الذي تراءى منه جبريل للنبي عليهما الصلاة والسلام بأنه أفق واضح بيّن لا تشتبه فيه المرئيات ولا يتخيل فيه الخيال ، وجعلت تلك الصفة علامة على أن المرئي ملك وليس بخيال لأن الأخيلة التي يتخيلها المجانين إنما يتخيلونها على الأرض تابعة لهم على ما تعودوه من وقت الصحة ، وقد وصف النبي صلىاللهعليهوسلم الملك الذي رآه عند نزول سورة المدثر بأنه على كرسي جالس بين السماء والأرض ،