تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ٣٠ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في تفسير التّحرير والتّنوير

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

المتحدّث عنهم ، وهي بينة أخرى غير الأولى وإعادتها من إعادة النكرة نكرة مثلها إذ المعرف بلام العهد الذهني بمنزلة النكرة ، أو من إعادة المعرفة المعهودة معرفة مثلها ، وعلى كلا الوجهين لا تكون المعادة عين التي قبلها.

وقد أطبقت كلمات المفسرين على أن معنى قوله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) أنهم ما تفرقوا عن اتباع الإسلام ، أي تباعدوا عنه إلا من بعد ما جاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذا تأويل للفظ التفرق وهو صرف عن ظاهره بعيد فأشكل عليهم وجه تخصيص أهل الكتاب بالذكر مع أن التباعد عن الإسلام حاصل منهم ومن المشركين ، وجعلوا المراد ب (الْبَيِّنَةُ) الثانية عين المراد بالأولى وهي بينة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سوى أن الفخر ذكر كلمات تنبئ عن مخالفة المفسرين في محمل تفرق الذين أوتوا الكتاب فإنه بعد أن قرر المعنى بما يوافق كلام بقية المفسرين أتى بما يقتضي حمل التفرق على حقيقته ، وحمل البينة الثانية على معنى مغاير لمحمل (الْبَيِّنَةُ) الأولى ، إذ قال : «المقصود من هذه الآية تسلية محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي لا يغمّنك تفرقهم فليس ذلك لقصور في الحجة بل لعنادهم فسلفهم هكذا كانوا لم يتفرقوا في السبب وعبادة العجل إلا بعد ما جاءتهم البينة ، فهي عادة قديمة لهم» ، وهو معارض لأول كلامه ، ولعله بدا له هذا الوجه وشغله عن تحريره شاغل وهذا مما تركه الفخر في المسودة.

(وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥))

هذا إبطال ثالث لتنصلهم من متابعة الإسلام بعلة أنهم لا يتركون ما هم عليه حتى تأتيهم البينة وزعمهم أن البينة لم تأتهم.

وهو إبطال بطريق القول بالموجب في الجدل ، أي إذا سلمنا أنكم موصون بالتمسك بما أنتم عليه لا تنفكون عنه حتى تأتيكم البينة ، فليس في الإسلام ما ينافي ما جاء به كتابكم لأن كتابكم يأمر بما أمر به القرآن ، وهو عبادة الله وحده دون إشراك ، وذلك هو الحنيفية وهي دين إبراهيم الذي أخذ عليهم العهد به ، فذلك دين الإسلام وذلك ما أمرتم به في دينكم.

فلك أن تجعل الواو عاطفة على جملة : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [البينة : ٤] إلخ.