برج الحمل ، وهاتان الرحلتان هما رحلتا تجارة وميرة كانت قريش تجهزهما في هذين الفصلين من السنة إحداهما في الشتاء إلى بلاد الحبشة ثم اليمن يبلغون بها بلاد حمير ، والأخرى في الصيف إلى الشام يبلغون بها مدينة بصرى من بلاد الشام.
وكان الذين سنّ لهم هاتين الرحلتين هاشم بن عبد مناف ، وسبب ذلك أنهم كانوا تعتريهم خصاصة فإذا لم يجد أهل بيت طعاما لقوتهم حمل ربّ البيت عياله إلى موضع معروف فضرب عليهم خباء وبقوا فيه حتى يموتوا جوعا ويسمى ذلك الاعتفار (بالعين المهملة وبالراء وقيل بالدال عوض الراء وبفاء) فحدث أن أهل بيت من بني مخزوم أصابتهم فاقة شديدة فهموا بالاعتفار فبلغ خبرهم هاشما لأن أحد أبنائهم كان تربا لأسد بن هاشم ، فقام هاشم خطيبا في قريش وقال : إنكم أحدثتم حدثا تقلون فيه وتكثر العرب وتذلون وتعزّ العرب وأنتم أهل حرم الله والناس لكم تبّع ويكاد هذا الاعتفار يأتي عليكم ، ثم جمع كل بني أب على رحلتين للتجارات فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير من عشيرته حتى صار فقيرهم كغنيهم ، وفيه يقول مطرود الخزاعي :
يا أيها الرجل المحوّل رحله |
|
هلا نزلت بآل عبد مناف |
الآخذون العهد من آفاقها |
|
والراحلون لرحلة الإيلاف |
والخالطون غنيّهم بفقيرهم |
|
حتى يصير فقيرهم كالكافي |
ولم تزل الرحلتان من إيلاف قريش حتى جاء الإسلام وهم على ذلك.
والمعروف المشهور أن الذي سنّ الإيلاف هو هاشم ، وهو المروي عن ابن عباس ، وذكر ابن العربي عن الهروي : أن أصحاب الإيلاف هاشم ، وإخوته الثلاثة الآخرون عبد شمس ، والمطلب ، ونوفل ، وأن كان واحد منهم أخذ حبلا ، أي عهدا من أحد الملوك الذين يمرون في تجارتهم على بلادهم وهم ملك الشام ، وملك الحبشة ، وملك اليمن ، وملك فارس ، فأخذ هاشم هذا من ملك الشام وهو ملك الروم ، وأخذ عبد شمس من نجاشي الحبشة وأخذ المطلب من ملك اليمن وأخذ نوفل من كسرى ملك فارس ، فكانوا يجعلون جعلا لرؤساء القبائل وسادات العشائر يسمى الإيلاف أيضا يعطونهم شيئا من الربح ويحملون إليهم متاعا ويسوقون إليهم إبلا مع إبلهم ليكفوهم مئونة الأسفار وهم يكفون قريش دفع الأعداء فاجتمع لهم بذلك أمن الطريق كله إلى اليمن وإلى الشام وكانوا يسمّون المجيرين.
وقد توهم النقاش من هذا أن لكل واحد من هؤلاء الأربعة رحلة فزعم أن الرحل