وعبر بالاستفهام التقريري لاجتذاب الأنظار وتشويق النفوس إلى الجواب. ثم أجاب عن الاستفهام: للمتقين : جنات تجري من تحتها الأنهار ، ماكثين فيها أبدا ، وزوجات طاهرات من النقائص والفواحش والشوائب كالحيض والنفاس. وهذا نعيم جسدي مادي : وهو الجنة ، ولهم أيضا نعيم روحاني وهو رضوان الله الذي لا يشوبه شيء ، وهو أعظم وأكبر من كل نعمة ولذة مادية. وقد بدأ بذكر المقر وهو الجنات ، ثم ذكر ما يحصل به الأنس التام من الأزواج المطهرة ، ثم ذكر ما هو أعظم الأشياء وهو رضا الله عنهم ، فحصل بمجموع ذلك اللذة الجسمانية والفرح الروحاني حيث علم برضا الله عنه.
وقوله : للذين اتقوا عند ربهم جنات : جواب عن الاستفهام ، وكلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير من أصناف الشهوات ، سواء استعملت في محالها ومواضعها التي خلقت من أجله : وهي تحقيق حوائج الناس ، أو أسيء استعمالها ، وقرن بها الشر والفساد ، كما تقول : هل أدلك على رجل عالم ، أو تاجر صدوق في السوق؟ هو فلان.
هذه الآية التي اشتملت على بيان نوعين من الجزاء : المادي وهو الجنة والأزواج ، والروحي وهو رضوان الله ، تشبه قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، خالِدِينَ فِيها ، وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ، وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة ٩ / ٧٢] وقوله : (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ ، وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [الحديد ٥٧ / ٢٠].
ثم ختمت الآية بقوله : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي خبير بأحوالهم ، وبأسرارهم ، وحقيقة تقواهم ، فيجازي كل نفس بما كسبت من خير أو شر ، وفي هذا إيماء ليحاسب كل إنسان نفسه على التقوى ، فليست التقوى بالمظاهر ، وإنما