والغرض من الآية تكذيب أهل الكتاب الذين يعظمون عيسى والعزير تعظيم عبادة.
التفسير والبيان :
لا ينبغي لبشر ينزل الله عليه الكتاب ، ويعلمه الحكمة : فقه الدين ومعرفة أسرار الشرع ، ويؤتيه النبوة والرسالة ، ثم يقول بعد هذا للناس : اعبدوني من دون الله أي متجاوزين ما يجب من إفراد العبادة لله تعالى ، فهذا هو الشرك بعينه ، وإنما يجب إخلاص العبادة لله وحده ، كما قال : (قُلِ : اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) [الزمر ٣٩ / ١٤].
وروى مسلم وغيره حديثا قدسيا عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه غيري ، تركته وشركه» وفي رواية : «فأنا منه بريء ، هو للذي عمله». وروى أحمد عنه صلىاللهعليهوسلم : «إذا جمع الله الناس يوم القيامة نادى مناد : من أشرك في عمل عمله لله أحدا ، فليطلب ثوابه من عند غير الله ، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك».
ولكن يقول الرسول للناس : كونوا ربانيين أي علماء فقهاء عاملين بما أمر الله ، مطيعين له طاعة تامة ؛ لأن العلم الصحيح هو الذي يبعث على العمل ، وإن تعلم الكتاب الإلهي ودراسته يوجب الطاعة ، ويحقق وصف الرباني. ولا يعقل أن يأمر الرسول باتخاذ إله أو رب غير الله ، أو بعبادة أحد غير الله ، لا نبي مرسل ولا ملك مقرّب. وقد كان مشركو العرب يعبدون الملائكة ، وحكى القرآن : (وَقالَتِ الْيَهُودُ : عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ، وَقالَتِ النَّصارى : الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة ٩ / ٣٠]. وهذا كله مخالف لرسالات الأنبياء التي تأمر بعبادة الله وحده.
أيأمركم هذا النبي بالكفر بعد الإسلام ، وهذه شهادة لهم بأنهم مسلمون ، أي لا يفعل ذلك إلا من دعا إلى عبادة غير الله ، ومن دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا