وقال قوم : إن المراد نفي الإلحاف ، أي إنهم يسألون الناس غير إلحاف ، وهذا هو المتبادر إلى الذهن والسابق للفهم ، أي يسألون غير ملحفين ، فلا يلحّون في المسألة ، ولا يكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه ، فإن من سأل وله ما يغنيه عن المسألة ، فقد ألحف في المسألة. وفي هذا تنبيه على سوء حالة من يسأل الناس إلحافا ، وهذا شأن أغلب الشّحاذين اليوم. روى الأئمة ، واللفظ لمسلم ، عن معاوية بن أبي سفيان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تلحفوا في المسألة ، فو الله لا يسألني أحد منكم شيئا ، فتخرج له مسألته مني شيئا ، وأنا له كاره ، فيبارك له فيما أعطيته».
ثم ختمت الآية بأنه ما من نفقة صغيرة أو كبيرة إلا ويعلمها الله ، ولا يخفى عليه الباعث على النفقة أو النيّة أيضا ، فبحسن النية والإخلاص ففي النفقة دون أذى يحسن الجزاء ، وبسوء النية يسوء الجزاء. وفي هذا ترغيب في الإنفاق الطيّب ، وترهيب من الإنفاق الخبيث.
ثم أوضح الله تعالى ثواب المنفقين وجزاء الإنفاق في جميع الأحوال والأوقات ، فمن تصدّق بأمواله ليلا أو نهارا ، سرّا أو علانية ، ولم يمتنع عن نفقة وقت الحاجة إليها ، ومنها النفقة على الأهل ، كما دلّ حديث النّبي صلىاللهعليهوسلم لسعد المتقدّم ، فله الأجر الكامل عند ربّه وثوابه على الله لا على أحد سواه ، ولا خوف عليه في الآخرة ، ولا يتعرّض للحزن أبدا ، أي فلا خوف عليه فيما يستقبله من أهوال يوم القيامة ، ولا يحزن على ما خلّفه من أولاد ولا على ما فاته من الحياة الدّنيا وزهرتها ، فلا يأسف عليها ؛ لأنه قد صار إلى ما هو خير له من ذلك.
وإنما قدّم الليل على النهار ، والسرّ على العلانية ، للإشارة إلى تفضيل صدقة السرّ على صدقة العلانية.