العتاب على قبوله مفاداة أسرى بدر ، الذي صدر بتقرير حازم صارم في قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) [الأنفال : ٨ / ٦٧].
أما ما احتج به بعضهم بهذه الآية على صدور الذنب عن الرسول من وجهين : الأول ـ إصدار العفو ، والعفو يستدعي سابقة الذنب ، والثاني ـ الاستفهام الإنكاري في قوله تعالى : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) فيجاب عن الأول بأنا لا نسلم أن قوله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) يوجب الذنب ، وإنما ذلك دليل على مبالغة الله في تعظيم نبيه وتوقيره. ويجاب عن الثاني بأنه بعد حصول العفو عنه يستحيل أن يتوجه الإنكار عليه ، ويحمل قوله : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) على ترك الأولى والأكمل ، لا سيما وهذه الوقعة من قضايا الحرب ومصالح الدنيا التي يجوز للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الاجتهاد فيها اتفاقا ، فكان ما حكم به صادرا بمقتضى الاجتهاد.
٥ ـ دل قوله : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ..) على وجوب الاحتراز عن العجلة ، ووجوب التثبت والتأني ، وترك الاغترار بظواهر الأمور ، والمبالغة في التفحص والتريث.
٦ ـ قال قتادة : عاتبه الله كما تسمعون في هذه الآية ، ثم رخص له في سورة النور ، فقال : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) [٦٢].
٧ ـ لا ينبغي الاستئذان في أداء شيء من الواجبات ، وفضائل العادات مثل إكرام الضيف ، وإغاثة الملهوف ، وفعل المعروف ، قال تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ، أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء ٤ / ١١٤].
٨ ـ المنافقون غير مؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر ، وعدم إيمانهم إنما كان بسبب الشك والريب ، لا بسبب الجزم والقطع بعدمه ، وهذا يدل على أن الشاك المرتاب غير مؤمن بالله تعالى.