السبب متقدّم على مسبّبه وجودا بالضرورة ، فيلزم تقدّمها بوجودها على وجودها ، وهو محال. وأمّا كون غيرها سببا لوجودها فلأنّه يستلزم معلوليّة الواجب بالذات لذلك الغير فيكون ممكنا ، وقد فرض واجبا بالذات ، وهذا خلف ، فكون الواجب بالذات ذا ماهيّة وراء وجوده محال ، وهو المطلوب.
وهذه حجّة برهانيّة تامّة لا غبار عليها. ونقضها بالماهيّة الموجودة الّتي للممكنات (١) ـ بتقريب أنّ فرض كون الماهيّة المفروضة للواجب علّة فاعليّة لوجودها ، لو اقتضى تقدّم الماهيّة على وجودها المعلول لها لزم نظيره في الماهيّات الموجودة للممكنات ، فإنّ ماهيّة الممكن قابلة لوجوده والقابل كالفاعل في وجوب تقدّمه على ما يستند إليه ـ غير مستقيم ، لأنّ وجوب تقدّم القابل على مقبوله بالوجود إنّما هو في القابل الّذي هو علّة مادّيّة ، فهي المتقدّمة على معلولها الّذي هو المجموع من الصورة والمادّة (٢) ، وماهيّة الممكن ليست علّة مادّية بالنسبة إلى وجوده ولا بالنسبة إلى الماهيّة الموجودة ، وإنّما قابليّتها اعتبار عقليّ منشؤه تحليل العقل الممكن إلى الماهيّة ووجود واتّخاذه الماهيّة موضوعه والوجود محمولا لها.
وبالجملة : ليست الماهيّة علّة قابليّة للوجود ، لكن لو فرضت علّة فاعليّة لوجودها كانت علّة حقيقيّة واجبة التقدّم حقيقة ، فإنّ الحاجة إلى علّة الوجود حاجة حقيقيّة تستتبع علّة حقيقيّة ، بخلاف الحاجة إلى قابل ماهويّ يقبل الوجود ، فإنّها اعتبار عقليّ والماهيّة في الحقيقة عارضة للوجود لا معروضة له (٣).
حجّة اخرى (٤) وهي : أنّ الوجود إذا كان زائدا على الماهيّة تقع الماهيّة
__________________
(١) هذا النقض أورده الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٣٧ ، وقرّره على ذلك صدر المتألّهين في الأسفار ٦ : ٤٨.
(٢) وفيه ما مرّ في بعض تعليقاتنا على الفصل السادس من المرحلة السادسة ، فراجع.
(٣) وفي النسخ : «لا معروضته لها» والصحيح ما أثبتناه.
(٤) هذه الحجّة أقامها الشيخ الإشراقيّ في المطارحات : ٣٩١ ـ ٣٩٢ ، والتلويحات : ٣٩.