برهان آخر : لو كان له جزء لكان متقدّما عليه في الوجود وتوقّف الواجب عليه في الوجود ، ضرورة تقدّم الجزء على الكلّ في الوجود وتوقّف الكلّ فيه عليه ، ومسبوقيّة الواجب وتوقّفه على غيره وهو واجب الوجود محال (١).
برهان آخر (٢) : لو تركّبت ذات الواجب تعالى من أجزاء لم يخل إمّا أن يكون جميع الأجزاء واجبات بذواتها ، وإمّا أن يكون بعضها واجبا بالذات وبعضها ممكنا ، وإمّا أن يكون جميعها ممكنات. والأوّل محال ، إذ لو كانت الأجزاء واجبات بذواتها كان بينها إمكان بالقياس كما تقدّم (٣) ، وهو ينافي كونها أجزاء حقيقيّة لمركّب حقيقيّ ذي وحدة حقيقيّة ، إذ من الواجب في التركيب أن يحصل بين الأجزاء تعلّق ذاتيّ يحصل به أمر جديد وراء المجموع ، له أثر وراء آثار كلّ واحد من الأجزاء (٤). والثاني محال ، للزوم افتقار الواجب بالذات إلى الممكن (٥) ؛ على أنّ لازمه دخول الماهيّة في حقيقة الواجب ، لما تقدّم في مرحلة الوجوب والإمكان أنّ كلّ ممكن فله ماهيّة (٦). والثالث أيضا محال بمثل
__________________
(١) قال في الأسفار ٦ : ١٠ : «وهذا البيان يجري فيما سوى الأجزاء المقداريّة ، لأنّ تلك الأجزاء ليست في الحقيقة متقدّمة ، بل نسبة الجزئيّة إليها بالمسامحة والتشبيه ، فلا بدّ في نفي تلك الأجزاء عنه من بيان آخر».
وقال المصنّف ـ تعليقا على الأسفار ٦ : ١٠١ : «والأولى الاعتماد في نفي الأجزاء المقداريّة على برهان نفي مطلق الحدّ عنه تعالى من جهة كونه واجب الوجود بالذات».
(٢) ذكره صدر المتألّهين في الأسفار ٦ : ١٠٢ ـ ١٠٣.
(٣) في الفصل الثاني من المرحلة الرابعة.
(٤) والحاصل : أنّ الأجزاء لو كانت واجبات بذواتها لم يخل إمّا أن يكون بينها تلازم وتعلّق فيركّب منها مركّب حقيقيّ ، وهذا ينافي كونها واجبات بذواتها ، لأنّ المتلازمين إمّا أن يكون أحدهما علّة والآخر معلولا فلا يكون ما هو المعلول واجبا بالذات ، أو يكونا معلولي علّة ثالثة فلا يكون شيء منهما واجبا وإلّا لزم تعدّد الواجبات المستقلّة وهو ينافي توحيد الواجب الثابت بالبراهين ، وإمّا أن لا يكون بينهما تلازم أصلا وهذا ينافي كونها أجزاء حقيقيّة لمركّب حقيقيّ ذي وحدة حقيقيّة.
(٥) لأنّ المفروض أنّ بعض أجزائه ممكن.
(٦) راجع الفصل الأوّل من المرحلة الرابعة.