ومعنى دخول النفي في هويّة وجوديّة ـ والوجود مناقض للعدم ـ نقص وجوديّ في وجود مقيس إلى وجود آخر ، ويتحقّق بذلك مراتب التشكيك في حقيقة الوجود وخصوصيّاتها. وتنعكس النتيجة بعكس النقيض إلى أنّ كلّ ذات بسيطة الحقيقة فإنّها لا يسلب عنها كمال وجوديّ.
والواجب بالذات وجود بحت لا سبيل للعدم إلى ذاته ولا يسلب عنه كمال وجوديّ ، لأنّ كلّ كمال وجوديّ ممكن فإنّه معلول مفاض من علّة ، والعلل منتهية إلى الواجب بالذات ، ومعطي الشيء لا يكون فاقدا له ، فله تعالى كلّ كمال وجوديّ من غير أن يداخله عدم ، فالحقيقة الواجبيّة بسيطة بحتة ، فلا يسلب عنها شيء (١) ، وهو المطلوب.
فإن قيل (٢) : إنّ له تعالى صفات سلبيّة بالبرهان ، ككونه ليس بجسم ولا جسمانيّ ولا بجوهر ولا بعرض.
قلنا : الصفات السلبيّة راجعة إلى سلب النقائص والأعدام ، وسلب السلب وجود ، وسلب النقص كمال وجود ـ كما قيل (٣) ـ.
فإن قيل : لازم ما تقدّم من البيان (٤) صحّة الحمل بينه تعالى وبين كلّ موجود
__________________
(١) فلا يتصوّر فيه التركيب الدقيق العقليّ ، وهو التركيب من الإيجاب والسلب.
والحكيم السبزواريّ تعرّض لإيراد آخر وقد أجاب عنه ، فينبغي ذكرهما في المقام :
أمّا الإيراد فحاصله : أنّ اللاكون نفي وسلب ، وليس شيء يحاذيه ، فلا يستدعي التركيب حتّى تنعكس النتيجة بعكس النقيض إلى أنّ كلّ ذات بسيطة الحقيقة ـ كالواجب ـ لا يسلب عنه كمال ، فلا تركيب فيه.
وأمّا الجواب ، فقال : «شرّ التراكيب هو التركيب من الإثبات والسلب إذا كان ذلك السلب سلب الكمال ـ كما هو المفروض ـ بل إن سألت الحقّ فلا تركيب إلّا هو ، إذ التركيب يستدعي سنخين : أحدهما الوجود والحقّيّة ، والآخر هو العدم والبطلان ، إذ الوجود والوجود ليسا سنخين ، حيث إنّ ما به الامتياز فيه عين ما به الاشتراك». راجع تعليقاته على الأسفار ٦ : ١١١ ـ ١١٢.
(٢) هذا الإشكال تعرّض له في الأسفار ٦ : ١١٤.
(٣) والقائل هو صدر المتألّهين في الأسفار ٦ : ١١٤.
(٤) من أنّ للحقيقة الواجبيّة كلّ كمال وجوديّ ، بل هو كلّ الأشياء وتمامها.