أحد الطرفين إلّا بمرجّح يوجب لها ذلك (١) وهو العلّة الموجبة. والفاعل من العلل ، ولا معنى لتساوي نسبة الفاعل التامّ الفاعليّة الّذي معه بقيّة أجزاء العلّة التامّة إلى الفعل والترك ، بل هو موجب للفعل ، وهذا الوجوب الغيريّ منته إلى الواجب بالذات. فهو العلّة الاولى للفعل. والعلّة الاولى علّة للمعلول الأخير ، لأنّ علّة علّة الشيء علّة لذلك الشيء.
فهذه اصول ثابتة مبيّنة في الأبحاث السابقة. والمستفاد منها أنّ للفعل نسبة إلى الواجب تعالى بالإيجاد ، وإلى الإنسان مثلا بأنّه فاعل مسخّر هو في عين علّيّته معلول ، وفاعليّة الواجب ـ تعالى ـ في طول فاعليّة الإنسان لا في عرضه حتّى تتدافعا ولا تجتمعا (٢).
وأمّا تعلّق الإرادة الواجبيّة بالفعل مع كون الإنسان مختارا فيه فإنّما تعلّقت الإرادة الواجبيّة بأن يفعل الإنسان باختياره فعلا كذا وكذا ، لا بالفعل من غير تقيّد بالاختيار ، فلا يلغو الاختيار ولا يبطل أثر الإرادة الإنسانيّة. على أنّ خروج الأفعال الإختياريّة عن سعة القدرة الواجبيّة ـ حتّى يريد فلا يكون ويكره فيكون ـ تقييد في القدرة المطلقة الّتي هي عين ذات الواجب ، والبرهان يدفعه (٣). على أنّ البرهان قائم على أنّ الإيجاد وجعل الوجود خاصّة للواجب تعالى لا شريك له فيه (٤). ونعم ما قال صدر المتألّهين قدسسره في مثل المقام : «ولا شبهة في أنّ مذهب من جعل أفراد الناس كلّهم خالقين لأفعالهم مستقلّين في إيجادها أشنع من مذهب من جعل الأصنام أو الكواكب شفعاء عند الله» (٥) ، انتهى.
__________________
(١) أي : الخروج من حاقّ الوسط إلى أحد الطرفين.
(٢) بل مرّ في مبحث العلّة والمعلول أنّه لا فاعليّة بحقيقة معنى الكلمة إلّا للواجب تعالى ، وأمّا سائر العلل فهي ليست عللا حقيقيّة ، بل إنّما هي معدّات تقرّب المادّة إلى إفاضة الفاعل الحقيقيّ ، وهذه المعدّات أيضا نفسها ما أفاضها الفاعل الحقيقيّ ، فالإنسان واختياره أفاضهما الفاعل الحقيقيّ ، أي : تعلّقت مشيئته إلى كونه مختارا.
(٣) فإنّ تقييد قدرته تعالى يستلزم إثبات الشركاء له تعالى.
(٤) راجع الفصل الثامن من المرحلة الثامنة.
(٥) راجع الأسفار ٦ : ٣٧٠.