وأمّا قولهم (١) : «إنّ كون الفعل الاختياريّ مخلوقا للواجب تعالى لا يجامع توجيه التكليف إلى الإنسان بالأمر والنهي ، ولا الوعد والوعيد على الفعل والترك ، ولا استحقاق الثواب والعقاب ، وليس له فعل ولا هو فاعل».
فيدفعه : أنّه إنّما يتمّ لو كان انتساب الفعل إلى الواجب تعالى لا يجامع انتسابه إلى الإنسان ، وقد عرفت (٢) أنّ الفاعليّة طوليّة وللفعل انتساب إلى الواجب بالفعل بمعنى الإيجاد ، وإلى الإنسان المختار بمعنى قيام العرض بموضوعه.
وأمّا قولهم (٣) : «إنّ كون أفعال الإنسان الاختياريّة مخلوقة للواجب تعالى ـ وفيها أنواع الشرور والمعاصي والقبائح ـ ينافي طهارة ساحته تعالى عن كلّ نقص وشين (٤)».
فيدفعه : أنّ الشرور الموجودة في العالم ـ على ما سيتّضح (٥) ـ ليست إلّا امورا فيها خير كثير وشرّ قليل ، ودخول شرّها القليل في الوجود بتبع خيرها الكثير ، فالشرّ مقصود بالقصد الثاني ولم يتعلّق القصد الأوّل إلّا بالخير. على أنّه سيتّضح أيضا (٦) أنّ الوجود ـ من حيث إنّه وجود ـ خير لا غير ، وإنّما الشرور ملحقة ببعض الوجودات ، فالذي يفيضه الواجب تعالى من الفعل وجوده الخير بذاته الطاهرة في نفسه ، وما يلازمه من النقص والعدم لوازم تميّزه في وجوده ، والتميّزات الوجوديّة لولاها لفسد نظام الوجود ، فكان في ترك الشرّ القليل بطلان الخير الكثير الّذي في أجزاء النظام.
وذهب جمع آخر من المتكلّمين ـ وهم الأشاعرة ومن تبعهم (٧) ـ إلى أنّ كلّ
__________________
(١ و ٣) أي : قول المعتزلة كما مرّ.
(٢) في ما مرّ آنفا حيث قال : «وفاعليّة الواجب تعالى في طول فاعليّة الإنسان».
(٤) الشين : العيب.
(٥ و ٦) في الفصل الثامن عشر من هذه المرحلة.
(٧) راجع الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة : ١٥٥ ، ومذاهب الاسلاميّين ١ : ٥٥٥ ، والفرق بين الفرق : ٢٧٥ ، والملل والنحل : ٩٦ ، واللمع : ٦٩ ـ ٩١. واستدلّوا عليه بوجوده ذكرها المحقّق الشريف تبعا للعلّامة الإيجيّ في شرح المواقف : ٥١٥ ـ ٥٢٠ ، والعلّامة التفتازانيّ في شرح المقاصد : ٢ ص ١٢٥ ـ ١٤٣. وتبعهم هشام بن الحكم ، راجع مقالات الاسلاميّين ١ : ١١٠ ، ـ