ضروريّ الوقوع ، ولا معنى لكون الفعل الضروريّ الوجود اختياريّا للإنسان له أن يفعل ويترك ، ولا لكون إرادته مؤثّرة في الفعل.
فيدفعه : أنّ فاعليّته تعالى طوليّة ، لا تنافي فاعليّة غيره أيضا إذا كانت طوليّة ، وإرادته إنّما تعلّقت بالفعل بوصف أنّه اختياريّ ، فأراد أن يفعل الإنسان باختياره وإرادته فعلا كذا وكذا ، فالفعل الاختياريّ واجب التحقّق بوصف أنّه اختياريّ.
واستدلّ بعضهم (١) على الجبر في الأفعال بأنّ فعل المعصية معلوم للواجب تعالى فهو واجب التحقّق ضروريّ الوقوع ، إذ لو لم يقع كان علمه جهلا ، وهو محال ، فالفعل ضروريّ ، ولا يجامع ضرورة الوقوع اختياريّة الفعل.
ويعارضه أنّ فعل المعصية معلوم للواجب تعالى بخصوصيّة وقوعه ، وهي أنّه صادر عن الإنسان باختياره ، فهو بخصوصيّة كونه اختياريّا واجب التحقّق ضروريّ الوقوع ، إذ لو لم يقع كان علمه تعالى جهلا ، وهو محال ، فالفعل بما أنّه اختياريّ ضروريّ التحقّق (٢).
تنبيه :
استدلالهم على الجبر في الأفعال بتعلّق علم الواجب تعالى بها وتعيّن وقوعها بذلك استناد منهم في الحقيقة إلى القضاء العلميّ الّذي يحتم ما يتعلّق به من الامور ، وأمّا الإرادة ـ الّتي هي صفة ثبوتيّة زائدة على الذات عندهم ـ فإنّهم لا يرونها مبدأ للفعل موجبا له ، زعما منهم أنّ وجوب الفعل يجعل الفاعل موجبا (بفتح الجيم) ، والواجب تعالى فاعل مختار ، بل شأن الإرادة أن يرجّح الفعل بالأولويّة من غير وجوب ، فللإرادة أن يخصّص أيّ طرف من طرفي الفعل
__________________
(١) أي : بعض الأشاعرة ، راجع اللمع : ٨١ ـ ٨٢.
(٢) وهذا هو المراد من الأمر بين الأمرين. وإن أردت تفصيل البحث عن بطلان مذهبي المعتزلة والأشاعرة من التفويض والجبر وإثبات مذهب الإماميّة من الأمر بين الأمرين فراجع الأسفار ٦ : ٣٦٩ ـ ٣٧٨ ، وشرح الأسماء الحسنى (للحكيم السبزواريّ) : ٣٢٤ ـ ٣٤٢.