كمن كان قاعدا تحت جدار يريد أن ينقضّ عليه ، فإنّه يقوم خوفا من انهدامه عليه ، أو كانا مستندين إلى إجبار مجبر ، كمن كان قاعدا مستظلّا بجدار ، فهدّده جبّار أنّه إن لم يقم هدم الجدار عليه ، فإنّه يقوم خوفا من انهدامه عليه. والفعل في الصورتين إراديّ ، والتصديق على نحو واحد.
ومن هنا يظهر أنّ الفعل الإجباريّ لا يباين الفعل الاختياريّ ، ولا يتميّز منه بحسب الوجود الخارجيّ ، بحيث يصير الفاعل بالجبر قسيما للفاعل بالقصد. فقصارى ما يضعه المجبر أنّه يجعل الفعل ذا طرف واحد ، فيواجه الفاعل المكره فعلا ذا طرف واحد ليس له إلّا أن يفعله ، كما لو كان الفعل بحسب طبعه كذلك.
نعم العقلاء في سننهم الاجتماعيّة فرّقوا بين الفعلين حفظا لمصلحة الاجتماع ، ورعاية لقوانينهم الجارية المستتبعة للمدح والذّم والثواب والعقاب. فانقسام الفعل إلى الاختياريّ والجبريّ انقسام اعتباريّ لا حقيقيّ.
ويظهر أيضا أنّ الفاعل بالعناية من نوع الفاعل بالقصد ، فإنّ تصوّر السقوط ممّن قام على جذع عال ـ مثلا ـ علم واحد موجود في الخائف الّذي أدهشه تصوّر السقوط فيسقط ، وفي من اعتاد القيام عليه بتكرار العمل فلا يخاف ولا يسقط ، كالبنّاء ـ مثلا ـ فوق الأبنية والجدران العالية جدّا.
فالصاعد فوق جدار عال القائم عليه يعلم أنّ من الممكن أن يثبت في مكانه فيسلم أو يسقط منه فيهلك ، غير أنّه إن استغرقه الخوف والدهشة الشديدة وجذبت نفسه إلى الاقتصار على تصوّر السقوط سقط ، بخلاف المعتاد بذلك ، فإنّ الصورتين موجودتان عنده من دون خوف ودهشة ، فيختار الثبات في مكانه فلا يسقط.
وفقدان هذا الفعل العنائيّ للغاية الصالحة العقلائيّة لا يوجب خلوّه من مطلق الداعي ، فالداعي أعمّ من ذلك ـ كما سيأتي في الكلام على اللعب والعبث (١) ـ.
__________________
(١) راجع الفصل الثاني عشر والثالث عشر من هذه المرحلة.