بالقصد نظر. توضيحه : أنّا ننسب الأعمال المكتنفة بكلّ نوع من الأنواع المشهودة ـ أعني كمالاتها الثانية ـ إلى نفس ذلك النوع ، فكلّ نوع علّة فاعليّة لكمالاته الثانية. والأنواع في ذلك على قسمين : منها ما يصدر عنه أفعاله لطبعه من غير أن يتوسّط فيه العلم كالعناصر ، ومنها ما للعلم دخل في صدور أفعاله عنه كالإنسان. والقسم الثاني مجهّز بالعلم ، ولا ريب أنّه إنّما جهّز به لتمييز ما هو كماله من الأفعال ممّا ليس بكمال له ليفعل ما فيه كماله ويترك ما ليس فيه ذلك ، كالصبيّ يلتقم ما أخذه ، فإن وجده صالحا للتغذّي ـ كالفاكهة ـ أكله ، وإن لم يجده كذلك تركه ورمى به ، فتوسيطه العلم لتشخيص الفعل الّذي فيه كمال له (١) وتمييزه من غيره ، والّذي يوسّطه من العلم والتصديق إن كان حاضرا عنده غير مفتقر في التصديق به إلى تروّ وفكر (٢) ـ كالعلوم الناشئة بالملكات ونحوها ـ لم يلبث دون أن يريد الفعل فيفعله ، وإن كان مشكوكا فيه مفتقرا إلى التصديق به أخذ في تطبيق العناوين والأوصاف الكماليّة على الفعل ، فإن انتهى إلى التصديق بكونه كمالا له (٣) فعله ، وإن انتهى إلى خلاف ذلك تركه. وهذا الميل والانعطاف إلى أحد الطرفين هو الّذي نسمّيه : «اختيارا» ونعدّ الفعل الصادر عنه فعلا اختياريّا.
فتبيّن أنّ فعل هذا النوع من الفاعل العلميّ يتوقّف على حضور التصديق بوجوب الفعل ، أي كونه كمالا وكون ما يقابله ـ أي الترك ـ خلاف ذلك ، فإن كان التصديق به حاضرا في النفس من دون حاجة إلى تعمّل فكريّ لم يلبث دون أن يأتي بالفعل ، وإن لم يكن حاضرا احتاج إلى تروّ وفكر حتّى يطبق على الفعل المأتيّ به صفة الوجوب والرجحان وعلى تركه صفة الاستحالة والمرجوحيّة ، من غير فرق بين أن يكون رجحان الفعل ومرجوحيّة الترك مستندين إلى طبع الأمر ،
__________________
(١) هذا هو الصحيح ، بخلاف ما في النسخ من قوله : «فيه كمال و...».
(٢) وفي النسخ «تروّي فكر» والصحيح ما أثبتناه.
(٣) وفي النسخ : «بكونه كمالا فعله» والصحيح ما أثبتناه.