(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) وقد أثنى على زكريا فقال (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) وبين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفاً. (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أى المجاوزين ما أمروا به في كل شيء من الدعاء وغيره. وعن ابن جريح ، هو رفع الصوت بالدعاء. وعنه : الصياح في الدعاء مكروه وبدعة. وقيل : هو الإسهاب في الدعاء. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «سيكون قوم يعتدون في الدعاء. وحسب المرء أن يقول : اللهمّ إنى أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل (١) ثم قرأ قوله تعالى (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) كقوله (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً). وإنما ذكر (قَرِيبٌ) على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم ، أو لأنه صفة موصوف محذوف ، أى شيء قريب. أو على تشبيه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول كما شبه ذاك به ، فقيل قتلاء وأسراء ، أو على أنه بزنة المصدر ، الذي هو النقيض والضغيب (٢). أو لأنّ تأنيث الرحمة غير حقيقى. قرئ : نشراً وهو مصدر نشر. وانتصابه إمّا لأن أرسل ونشر متقاربان ، فكأنه قيل : نشرها نشراً : وإمّا على الحال بمعنى منتشرات. ونشراً جمع نشور. ونشراً تخفيف نشر ، كرسل ورسل. وقرأ مسروق : نشراً ، بمعنى منشورات ، فعل بمعنى مفعول ، كنقض وحسب. ومنه قولهم «ضم نشره» وبشراً جمع بشير. وبشراً بتخفيفه. وبشراً ـ بفتح الباء ـ مصدر من بشره بمعنى بشره ، أى باشرات ، وبشرى (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أمام رحمته ، وهي الغيث الذي هو من أتمّ النعم وأجلها وأحسنها أثراً (أَقَلَّتْ) حملت ورفعت ، واشتقاق الإقلال من القلة ، لأنّ الرافع المطيق يرى الذي يرفعه قليلا (سَحاباً ثِقالاً) سحائب ثقالا بالماء جمع سحابة (سُقْناهُ) الضمير للسحاب على اللفظ ، ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث ، كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلا (لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) لأجل بلد ليس فيه حياً ولسقيه. وقرئ : ميت (فَأَنْزَلْنا بِهِ) بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق. وكذلك (فَأَخْرَجْنا بِهِ ... كَذلِكَ) مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات (نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
__________________
(١) أخرجه أبو يعلى من رواية شعبة عن زياد بن مهران عن قيس بن عنان عن مولى لسعد بن سعد سمع ابنا له يقول «اللهم إنى أسألك الجنة وغرفها وكذا وكذا. وأعوذ بك من النار وأغلالها وكذا وكذا. فقال : لقد سألت الله خيرا وتعوذت به من شر كثير. وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : سيكون قوم يعتدون في الدعاء وبحسبك أن تقول : اللهم إنى أسألك الجنة ـ الخبر ـ وقال في آخره : لا أدرى قوله وبحسبك إلى آخره من قول سعد أو من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ورواه أبو داود الطيالسي والبيهقي في الدعوات من طريقه. عن سعد بسنده ، إلا أنه قال «وبحسبك أن تقول : اللهم إنى أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم وفي الباب عن عبد الله بن معقل أخرجه أبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم.
(٢) قوله «هو النقيض والضغيب» النقيض : هو صوت العقاب وصوت المحمل ، والضغيب : صوت الأرنب. (ع)