تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٦٩)
(أَخاهُمْ) واحداً منهم من قولك : يا أخا العرب ، للواحد منهم. وإنما جعل واحداً منهم ، لأنهم أفهم عن رجل منهم وأعرف بحاله في صدقه وأمانته ، وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وأخاهم : عطف على نوحا. و (هُوداً) عطف بيان له. فإن قلت : لم حذف العاطف من قوله (قالَ يا قَوْمِ) ولم يقل «فقال» كما في قصة نوح (١)؟ قلت : هو على تقدير سؤال سائل قال : فما قال لهم هود؟ فقيل : قال يا قوم اعبدوا الله ، وكذلك (قالَ الْمَلَأُ). فإن قلت : لم وصف الملأ (الَّذِينَ كَفَرُوا) دون الملأ من قوم نوح؟ قلت : كان في أشراف قوم هود من آمن به ، منهم مرثد بن سعد الذي أسلم وكان يكتم إسلامه فأريدت التفرقة بالوصف ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن. ونحوه قوله تعالى : وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة ، ويجوز أن يكون وصفاً وارداً للذمّ لا غير (فِي سَفاهَةٍ) في خفة حلم وسخافة عقل ، حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر ، وجعلت السفاهة ظرفا على طريق المجاز : أرادوا أنه متمكن فيها غير منفك عنها. وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام ـ من نسبهم إلى الضلال والسفاهة ، بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة ، بما قالوا لهم مع علمهم بأنّ خصومهم أضلّ الناس وأسفههم ـ أدب حسن وخلق عظيم ، وحكاية الله عزّ وجلّ ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على
__________________
(١) قال محمود : «فان قلت لم حذف العاطف من قوله تعالى في قصة هود هذه (قالَ يا قَوْمِ) ولم يقل «فقال»؟ قلت لأنه أخرج الكلام جوابا عن سؤال سائل ، كأنه قيل : فما قال هود حينئذ؟ قيل : يا قوم ، وكذلك قال الملأ» قال أحمد : وحذف العاطف من المقاولة. ألا ترى قوله في سورة الشراء حكاية عن تقاول موسى عليه السلام وفرعون ، كيف أسقط ذكر العاطف منه على كثرة الأقوال المعددة فيها. والسر في ذلك ـ والله أعلم ـ أن العاطف ينتظم الجمل حتى يصيرها كالجملة الواحدة «فاجتنب لارادة استقلال كل واحدة منها في معناها ، والله أعلم.