بشيء آخر لا يتعلق بكلامه ونصيحته ، من الأمر بإخراجه ومن معه من المؤمنين من قريتهم ، ضجراً بهم وبما يسمعونهم من وعظهم ونصحهم. وقولهم (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش ، وافتخاراً بما كانوا فيه من القذارة ، كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم : أبعدوا عنا هذا المتقشف (١) ، وأريحونا من هذا المتزهد (وَأَهْلَهُ) ومن يختص به من ذويه أو من المؤمنين (٢) (مِنَ الْغابِرِينَ) من الذين غبروا في ديارهم ، أى بقوا فهلكوا. والتذكير لتغليب الذكور على الإناث. وكانت كافرة موالية لأهل سدوم. وروى أنها التفتت فأصابها حجر فماتت. وقيل : كانت المؤتفكة خمس مدائن. وقيل : كانوا أربعة آلاف بين الشام والمدينة ، فأمطر الله عليهم الكبريت والنار. وقيل : خسف بالمقيمين منهم ، وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم. وقيل : أمطر عليهم ثم خسف بهم. وروى أن تاجراً منهم كان في الحرم فوقف له الحجر أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه. فإن قلت : أى فرق بين مطر وأمطر؟ قلت : يقال مطرتهم السماء وواد ممطور (٣). وفي نوابغ الكلم : حرى غير ممطور. حرى أن يكون غير ممطور (٤) ومعنى مطرتهم : أصابتهم بالمطر ، كقولهم. غاثتهم وو بلتهم وجادتهم ورهمتهم. ويقال : أمطرت عليهم كذا ، بمعنى أرسلته عليهم إرسال المطر (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) ، (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ). ومعنى (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) وأرسلنا عليهم نوعا من المطر عجيباً يعنى الحجارة. ألا ترى إلى قوله (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ).
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ
__________________
(١) قوله «أبعدوا عنا هذا المتقشف» المنقشف : هو الذي يتبلغ بالقوت وبالمرقع ، من القشف : وهو التغير من الشمس أو الفقر ا ه. (ع)
(٢) قوله «من ذويه أو من المؤمنين» يعنى أقاربه وامرأته. (ع)
(٣) قال محمود : «يقال مطرتهم السماء وواد ممطور ... الخ» قال أحمد : مقصود المصنف الرد على من قول :
مطرت السماء في الخير ، وأمطرت في الشر. ويتوهم أنها تفرقة وضعية ، فبين أن أمطرت : معناه أرسالات شيئاً على نحو المطر وإن لم يكن ماء ، حتى لو أرسل الله من السماء أتواعا من الخيرات والأرزاق مثلا كالمن والسلوى ، لجاز أن يقال فيه : أمطرت السماء خيرات ، أى أرسلتها إرسال المطر. فليس الشر خصوصية في هذه الصيغة الرباعية ، ولكن اتفق أن السماء لم ترسل شيئا سوى المطر إلا وكان عذابا ، فظن الواقع اتفاقا مقصودا في الوضع فنبه على تحقيق الأمر فيه وأحسن وأجمل.
(٤) قوله «حرى غير ممطور حرى أن يكون غير ممطور» حرى الأول بمعنى ناحية وجانب. والثاني بمعنى جدير وحقيق. وممطور الأول بمعنى مصاب بالمطر. والثاني بمعنى مذهوب فيه. كذا يؤخذ من الصحاح. (ع)