بعد إصلاح أهلها على حذف المضاف (ذلِكُمْ) إشارة إلى ما ذكر من الوفاء بالكيل والميزان وترك البخس والإفساد في الأرض. أو إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه. ومعنى (خَيْرٌ لَكُمْ) يعنى في الإنسانية وحسن الأحدوثة ، وما تطلبونه من التكسب والتربح ، لأن الناس أرغب في متاجرتكم إذا عرفوا منكم الأمانة والسوية (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إن كنتم مصدقين لي في قولي ذلكم خير لكم (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) ولا تقتدوا بالشيطان في قوله (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) فتقعدوا بكل صراط أى بكل منهاج من مناهج الدين. والدليل على أن المراد بالصراط سبيل الحق قوله (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ومحل (تُوعِدُونَ) وما عطف عليه : النصب على الحال أى : ولا تقعدوا موعدين وصادّين عن سبيل الله ، وباغيها عوجاً. فإن قلت : صراط الحق واحد ، (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) فكيف قيل : بكل صراط؟ قلت : صراط الحق واحد ، ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة ، فكانوا إذا رأوا أحداً يشرع في شيء منها أو عدوه وصدّوه. فإن قلت : إلام يرجع الضمير في (آمَنَ بِهِ)؟ قلت : إلى كل صراط. تقديره : توعدون من آمن به وتصدّون عنه ، فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير ، زيادة في تقبيح أمرهم ، ودلالة على عظم ما يصدّون عنه. وقيل : كانوا يجلسون على الطرق والمراصد ، فيقولون لمن مرّ بهم : إن شعيباً كذاب فلا يفتننكم عن دينكم ، كما كان يفعل قريش بمكة. وقيل : كانوا يقطعون الطرق. وقيل : كانوا عشارين (وَتَبْغُونَها عِوَجاً) وتطلبون لسبيل الله عوجا ، أى تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة غير مستقيمة ، لتصدّوهم عن سلوكها والدخول فيها : أو يكون تهكما بهم ، وأنهم يطلبون لها ما هو محال ، لأنّ طريق الحق لا يعوج (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) إذ مفعول به غير ظرف. أى : واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلا عددكم (فَكَثَّرَكُمْ) الله ووفر عددكم. قيل : إن مدين بن إبراهيم تزوّج بنت لوط فولدت فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكثروا وفشوا. ويجوز إذ كنتم مقلين فقراء فكثركم : فجعلكم مكثرين موسرين. أو كنتم أقلة أذلة فأعزكم بكثرة العدد والعدد (عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) آخر أمر من أفسد قبلكم من الأمم ، كقوم نوح وهود وصالح ولوط ، وكانوا قريبي العهد مما أصاب المؤتفكة (فَاصْبِرُوا) فتربصوا وانتظروا (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) أى بين الفريقين ، بأن ينصر المحقين على المبطلين ويظهرهم عليهم. وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله منهم ، كقوله (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) أو هو عظة للمؤمنين وحثّ على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقم لهم منهم. ويجوز أن يكون خطاباً للفريقين ، أى ليصبر المؤمنون على أذى الكفار وليصبر الكفار على ما يسوءهم من إيمان من آمن منهم ، حتى يحكم الله فيميز الخبيث من الطيب (وَهُوَ خَيْرُ