وذكر القرآن المعجز وما فيه ، وبشروا الناس باقتراب مبعثه ، وكانوا يستفتحون به (فَاقْصُصِ) قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فيحذرون مثل عاقبته ، إذ ساروا نحو سيرته ، وزاغوا شبه زيغه ، ويعلمون أنك علمته من جهة الوحى فيزدادوا إيقاناً بك وتزداد الحجة لزوماً لهم.
(ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ)(١٧٧)
(ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) أى مثل القوم. أو ساء أصحاب مثل القوم. وقرأ الجحدري ساء مثل القوم. (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) إما أن يكون معطوفا على كذبوا ، فيدخل في حيز الصلة بمعنى : الذين جمعوا بين التكذيب ، بآيات الله وظلم أنفسهم. وإما أن يكون كلاما منقطعا عن الصلة ، بمعنى : وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب ، وتقديم المفعول به للاختصاص ، كأنه قيل : وخصوا أنفسهم بالظلم لم يتعدّها إلى غيرها.
(مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(١٧٨)
(فَهُوَ الْمُهْتَدِي) حمل على اللفظ. و (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) حمل على المعنى.
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ)(١٧٩)
(كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) هم المطبوع على قلوبهم الذين علم الله أنه لا لطف لهم. وجعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق ، ولا ينظرون بأعينهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار ، ولا يسماعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر ، كأنهم عدموا فهم القلوب وإبصار العيون واستماع الآذان ، وجعلهم ـ لإعراقهم (١) في الكفر وشدّة شكائمهم فيه ، وأنه لا يأتى منهم إلا أفعال أهل النار ـ مخلوقين للنار ، دلالة على توغلهم في الموجبات وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار ومنه كتاب عمر رضى الله عنه إلى خالد بن الوليد : بلغني أن أهل الشام اتخذوا لك دلوكا (٢) عجن
__________________
(١) قوله «لاعراقهم» يقال أعرق الشجر والنبات ـ بالعين المهملة ـ إذا امتدت عروقه في الأرض. وأغرق النازع في القوس ـ بالمعجمة ـ أى استوفى مدها اه من الصحاح. (ع)
(٢) قوله «دلوكا» في الصحاح : الدلوك ما يدلك به من طيب وغيره. (ع)