(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أى تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) وقوله (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) استهزاء بهم ، أى قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء فإن ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم. ثم أبطل أن يكونوا عباداً أمثالهم فقال (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) وقيل : عباد أمثالكم مملوكون أمثالكم. وقرأ سعيد بن جبير : إن الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم بتخفيف إن ونصب عباداً أمثالكم ، والمعنى : ما الذين تدعون من دون الله عباداً أمثالكم ، على إعمال «إن» النافية عمل «ما» الحجازية (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) واستعينوا بهم في عداوتي (ثُمَّ كِيدُونِ) جميعاً أنتم وشركاؤكم (فَلا تُنْظِرُونِ) فإنى لا أبالى بكم ، ولا يقول هذا إلا واثق بعصمة الله ، وكانوا قد خوّفوه آلهتهم فأمر أن يخاطبهم بذلك ، كما قال قوم هود له : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) قال لهم : (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ).
(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ)(١٩٧)
(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ) أى ناصري عليكم الله (الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) الذي أوحى إلىّ كتابه وأعزنى برسالته (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) ومن عادته أن ينصر الصالحين من عباده وأنبيائه ولا يخذلهم.
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)(١٩٨)
(يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) يشبهون الناظرين إليك ، لأنهم صوّروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته إلى الشيء ينظر إليه (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) وهم لا يدركون المرئىّ
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)(١٩٩)
(الْعَفْوَ) ضد الجهد : أى خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم ، وتسهل من غير كلفة ، ولا تداقهم ، ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا ، كقوله صلى الله عليه وسلم «يسروا ولا تعسروا» (١) قال :
خذي العفو منى تستديمى مودّتى |
|
ولا تنطقى في سورتي حين أغضب (٢) |
__________________
(١) متفق عليه من حديث أنس أتم منه.
(٢) مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول ص ٣٦٢ فراجعه إن شئت اه مصححه.