سلطانه وبطشه بالعصاة وعقابه ، وهذا الذكر خلاف الذكر في قوله (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) لأن ذلك ذكر رحمته ورأفته وثوابه. وقيل : هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له : اتق الله فينزع. وقرئ : وجلت ، بالفتح ، وهي لغة نحو «وبق» في «وبق» (١). وفي قراءة عبد الله : فرقت (زادَتْهُمْ إِيماناً) ازدادوا بها يقينا وطمأنينة في نفس ، لأن تظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لقدمه ، وقد حمل على زيادة العمل. وعن أبى هريرة رضى الله عنه : الإيمان سبع وسبعون شعبة ، أعلاها : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان (٢). وعن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه : إن للإيمان سننا وفرائض وشرائع ، فمن استكملها استكمل الإيمان ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ولا يفوّضون أمورهم إلى غير ربهم ، لا يخشون ولا يرجون إلا إياه. جمع بين أعمال القلوب من الخشية والإخلاص والتوكل ، وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة (حَقًّا) صفة للمصدر المحذوف ، أى أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا ، أو هو مصدر مؤكد للجملة التي هي (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ) كقولك : هو عبد الله حقا ، أى حق ذلك حقا. وعن الحسن أنّ رجلا سأله : أمؤمن أنت؟ قال : الإيمان إيمانان ، فإن كنت تسألنى عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنسار والبعث والحساب ، فأنا مؤمن. وإن كنت تسألنى عن قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) فو الله لا أدرى أمنهم أنا أم لا. وعن الثوري : من زعم أنه مؤمن بالله حقا ، ثم لم يشهد أنه من أهل الجنه ، فقد آمن بنصف الآية. وهذا إلزام منه ، يعنى كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقا ، فلا يقطع بأنه مؤمن حقا ، وبهذا تعلق من يستننى في الإيمان. وكان أبو حنيفة رضى الله عنه ممن لا يستثنى فيه. وحكى عنه أنه قال لقتادة : لم تستثنى في إيمانك؟ قال : اتباعا لإبراهيم عليه السلام في قوله (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) فقال له : هلا اقتديت به في قوله (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى)؟ (دَرَجاتٌ) شرف وكرامة وعلوّ منزلة (وَمَغْفِرَةٌ) وتجاوز لسيئاتهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) نعيم الجنة. يعنى لهم منافع حسنة دائمة على سبيل التعظيم ، وهذا معنى الثواب.
(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ)(٥)
__________________
(١) قوله «نحو وبق في وبق ... الخ» وبق : أى هلك. وفرقت : خافت. (ع)
(٢) أخرجه مسلم وأصحاب السنن وابن حبان برواية أبى صالح عن أبى هريرة ، وهو في البخاري باختصار.