(وَيَمْكُرُونَ) ويخفون المكايد له (وَيَمْكُرُ اللهُ) ويخفى الله ما أعد لهم حتى يأتيهم بغتة (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) أى مكره أنفذ من مكر غيره وأبلغ تأثيراً ، أو لأنه لا ينزل إلا ما هو حق وعدل ولا يصيب إلا بما هو مستوجب.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣٤)
(لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) نفاجة منهم وصلف (١) تحت الراعدة ، فإنهم لم يتوانوا في مشيئتهم لو ساعدتهم الاستطاعة ، وإلا فما منعهم إن كانوا مستطيعين أن يشاءوا غلبة من تحدّاهم وقرعهم بالعجز ، حتى يفوزوا بالقدح المعلى دونه ، مع فرط أنفتهم واستنكافهم أن يغلبوا في باب البيان خاصة ، وأن يماتنهم واحد ، فيتعللوا بامتناع المشيئة ، ومع ما علم وظهر ظهور الشمس ، من حرصهم على أن يقهروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتهالكهم على أن يغمروه (٢). وقيل : قائله النضر بن الحرث المقتول صبراً ، حين سمع اقتصاص الله أحاديث القرون : لو شئت لقلت مثل هذا. وهو الذي جاء من بلاد فارس بنسخة حديث رستم وإسفنديار فزعم أن هذا مثل ذاك ، وأنه من جملة تلك الأساطير ، وهو القائل (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ) وهذا أسلوب من الجحود بليغ ، يعنى إن كان القرآن هو الحق فعاقبنا على إنكاره بالسجيل ، كما فعلت بأصحاب الفيل ، أو بعذاب آخر. ومراده نفى كونه حقاً ، وإذا انتفى كونه حقا لم يستوجب منكره عذاباً فكان تعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاد أنه ليس بحق ، كتعليقه بالمحال في قولك : إن كان الباطل حقا ، فأمطر علينا حجارة. وقوله : (هُوَ الْحَقَ) تهكم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين : هذا هو الحق. وقرأ الأعمش «هو الحق» بالرفع ، على أن هو مبتدأ غير
__________________
(١) قوله «نفاجة منهم وصلف الخ» «نفاجة» أى تكبر. و «الصلة» مجاوزة الحد كيرا. «والراعدة» السحابة. وهذا مثل يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم به. والقدح المعلى : أحد سهام الميسر يخرج للغالب اه صحاح (ع)
(٢) قوله «على أن يغمروه» يقال للرجل : غمره القوم ، إذا علوه شرفا ، كذا في الصحاح. (ع)