(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)(٣٥)
المكاء : فعال بوزن الثغاء والرغاء (١) من مكا يمكو إذا صفر : ومنه المكاء ، كأنه سمى بذلك لكثرة مكائه. وأصله الصفة ، نحو الوضاء والفراء. وقرئ : مكا بالقصر. ونظيرهما : البكى والبكاء. والتصدية : التصفيق ، تفعلة من الصدى أو من صدَّ يصدّ (٢) (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) وقرأ الأعمش : وما كان صلاتهم ، بالنصب على تقديم خبر كان على اسمه ، فإن قلت : ما وجه هذا الكلام؟ قلت : هو نحو من قوله :
وَمَا كُنْتُ أخْشَى أنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ |
|
أدَاهِمَ سُوداً أوْ مُحَدْرَجَةً سُمْرَا (٣) |
والمعنى أنه وضع القيود والسياط موضع العطاء ، ووضعوا المكاء والتصدية موضع الصلاة ، وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة : الرجال والنساء ، وهم مشبكون بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون ، وكانوا يفعلون نحو ذلك إذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته يخلطون عليه (فَذُوقُوا) عذاب القتل والأسر يوم بدر ، بسبب كفركم وأفعالكم التي لا يقدم عليها إلا الكفرة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(٣٧)
قيل نزلت في المطعمين يوم بدر ، كان يطعم كل واحد منهم كلّ يوم عشر جزائر. وقيل :
__________________
(١) قوله «بوزن الثغاء والرغاء» الثغاء : صوت الغنم. والرغاء : صوت الإبل. والمكا ـ بالتشديد ـ : طائر وجمعه مكاكى اه صحاح (ع)
(٢) قوله «أو من صد يصد» في الصحاح : صد يصد ويصد صديداً : أى ضج (ع)
(٣) للفرزدق «والأدهم» في الأصل الأسود ، ثم غلب على الحية السوداء ، ثم سمى به القيد الحديد. «والمحدرج» المفتول : أى ما كنت. أظن أن يكون عطاؤه قيوداً سوداً ، أو سياطاً مفتولة سمرا حقيقة ، أو وصفها بذلك لقبحها ، كما يصفون الحسن بالأخضر. ويروى «حمرا» فوضع القيود والسياط موضع العطاء ، ووضع الشاعر الرجاء موضع الظن ، وأطلق العطاء على العقاب مجازا ، وعرض بذلك إلى أنه كان يرجو العطا ، ويروى «أخاف زيادا أن يكون».