لأنّ العلم المجرّد يستوي فيه المؤمن والكافر (وَما أَنْزَلْنا) معطوف على (بِاللهِ) أى إن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل (عَلى عَبْدِنا) وقرئ عبدنا كقوله (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) بضمتين (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يوم بدر. و (الْجَمْعانِ) الفريقان من المسلمين والكافرين. والمراد ما أنزل عليه من الآيات والملائكة والفتح يومئذ (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يقدر على أن ينصر القليل على الكثير والذليل على العزيز ، كما فعل بكم ذلك اليوم.
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٤٢)
(إِذْ) بدل من يوم الفرقان. والعدوة : شط الوادي بالكسر والضم والفتح. وقرئ بهنّ وبالعدية ، على قلب الواو ياء ، لأنّ بينها وبين الكسرة حاجزاً غير حصين كما في الصبية. والدنيا والقصوى : تأنيث الأدنى والأقصى. فإن قلت : كلتاهما «فعلى» من بنات الواو ، فلم جاءت إحداهما بالياء والثانية بالواو؟ قلت : القياس هو قلب الواو ياء كالعليا. وأما القصوى فكالقود في مجيئه على الأصل. وقد جاء القصيا ، إلا أنّ استعمال القصوى أكثر ، كما كثر استعمال «استصوب» مع مجيء «استصاب» و «أغيلت» مع «أغالت» (١) والعدوة الدنيا مما يلي المدينة ، والقصوى مما يلي مكة (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) يعنى الركب الأربعين الذين كانوا يقودون العير أسفل منكم بالساحل. وأسفل : نصب على الظرف ، معناه : مكانا أسفل من مكانكم ، وهو مرفوع المحل ، لأنه خبر للمبتدإ. فإن قلت : ما فائدة هذا التوقيت وذكر مراكز الفريقين «وأن العير كانت أسفل منهم (٢)؟ قلت : الفائدة فيه الإخبار عن الحال الدالة على قوة شأن العدوّ وشوكته ، وتكامل عدّته ، وتمهد أسباب الغلبة له ، وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم (٣) وأنّ غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلا صنعاً من الله سبحانه ، ودليلا على أنّ ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله وقوّته وباهر قدرته ، وذلك أنّ العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار (٤)
__________________
(١) قوله «وأغيلت مع أغالت» أغيلت : أى أرضعت وهي موطوءة. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قال محمود : «إن قلت ما فائدة ذكر مركز الفريقين وأن العير كانت أسفل منهم ... الخ» قال أحمد : وهذا الفصل من خواص حسنات الزمخشري وتنقيبه عن أسرار الكتاب العزيز.
(٣) قوله «والتياث أمرهم» أى اختلاط أمرهم اه صحاح. (ع)
(٤) قوله «وهي خبار» أى رخوة ذات جحرة. اه صحاح (ع)